لا شك أن الحديث عن المنتج الوطنى يجب أن يتناول الموضوع بكل أبعاده, ابتداء من قيام صناعات وطنية, سواء أكانت أنشطة صناعية خالصة, أم صناعية زراعية, أم صناعية ثقافية, ثم العمل على تطوير وتحديث وتجويد هذه الصناعات حتى تصير علامات مميزة فى مجال الجودة والإنتاج, ثم إعطائها الأولية بيعًا وشراء واستهلاكًا أو تصديريًا, والعمل على خلق أسواق جديدة تفتح بقوة أمام منتجاتنا الوطنية.
أما الجانب الأول فيتعلق بحرص المؤسسات الوطنية والمستثمرين ورجال الأعمال الوطنيين والأشقاء, ومَنْ تستطيع أن توفر له المناخ الآمن المناسب بل المغرى لإقامة المشروعات الصناعية الكبرى التى تُعد علامة فى مجال الصناعات العصرية الحديثة, مع دراسة الأسواق الإقليمية والعالمية دراسة جيدة فى ظل موقع مصر المتميز وعمقها الأفريقى والعربي, مع تأكيدنا على أن سد حاجة الوطن فى جميع المجالات يُعد واجبًا كفائيًا وشرعيًا ووطنيًا إذا قام به البعض سقط الإثم والتبعة عن الآخرين, وإن لم يقم به أحد أثم كل من كان قادرًا على العطاء ولم يتقدم للأخذ بيد وطنه ومجتمعه وأيدى الناس إلى بر الأمان.
ثم يأتى دور الفرد والمجتمع فى العمل والإنتاج والإتقان, ومراقبة العبد لربه فى كل شيء, وأن يدرك أن قضية المراقبة لا تكون فى العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج فحسب, إنما تكون فى مراقبة الله فى العمل وليس مجرد مراعاة صاحب العمل , فإذا غاب رب العمل أو من يفوضه كان التراخي, وليدرك الإنسان أنه إذا غاب الرقيب الدنيوى فهناك من لا يغفل ولا ينام, حيث يقول الحق سبحانه: «اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ», وحيث يقول سبحانه: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ», وحيث يقول سبحانه: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ», فليتق كل إنسان ربه فيؤدى حق الله, وحق العمل, وحق صاحب العمل, وحق الوطن, وحق المستهلك, وليدرك أنه بإهماله أو عدم إتقانه قد يؤذى بل إنه ليؤذى المستهلك مشترى السلعة الذى قد يكون يتيمًا أو فقيرًا أو محتاجًا لا يستطيع تعويض السلعة إن تلفت أو إصلاحها إن تعطلت, فيجد نفسه بقصد أو بعفوية داعيًا على من فسد ضميره وذمته ولم يتق الله فى عمله أو صنعته, كما أن هذا المهمل إن أهمل وهو واحد فإنه قد يلقى إهمالاً مماثلاً فى كل ما يستخدمه, لأنهم كما قالوا: «افعل ما شئت كما تدين تدان», فإما أن تشيع فى المجتمع ثقافة الإتقان فتنعكس على الجميع, أو تشيع ثقافة الإهمال فتنعكس على الجميع, فنحن فى مركب واحد أو سفينة واحدة لن ينجو أحد حال غرقها لا قدر الله.
فإذا أدى رجال الأعمال دورهم فى الاستثمار والتحديث والتطوير, وأدى العمال دورهم فى البذل والجد والإتقان, جاء دور المؤسسات التجارية فى الداخل والخارج فى فتح الأسواق أمام المنتجات الوطنية وحسن عرضها بالداخل وتسويقها فى الخارج بكل ما تتطلبه عمليتا العرض والتسويق, وما تقتضيانه من اللمسات الجمالية التى لا تأتى على حساب المتانة, أو بحسن تعبئة وتغليف ما يحتاج إلى أى منهما أو إليهما معًا, أم إعداد المعارض وأماكن العرض المميزة ومن خلال الأسواق العالمية والأكثر جاذبية, أم من حيث التسويق الإعلامى لهذه المنتجات.
ثم يأتى دور المستهلك الوطنى الذى ينبغى عليه أن يؤثر هذا المنتج الوطنى مدركًا أنه بإيثار هذا المنتج يسهم فى توفير مزيد من فرص العمل التى تعود عليه أو على أبنائه أو أشقائه أو أصدقائه بالخير, كما أنه يؤثر إيجابًا على تحسين اقتصاد وطنه الذى ينعكس على ما يقدم له ولأبناء وطنه من خدمات لا غنى عنها فى مجال الخدمات من صحة وتعليم وطرق وإسكان ومياه وكهرباء وصرف صحى وخلافه.
والذى لا شك فيه أن إيثار المنتج الوطنى إنما هو لون من أهم ألوان الانتماء الوطنى الذى يجب أن نعمل جميعًا على ترسيخه بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع والوطن بأثره.