حسن المستكاوى
يف نبيع الأهلى والزمالك ؟ الناديان كانت مبارياتهما «أل كلاسيكوس دوس كلاسيكو» فى المنطقة العربية والإقليم قبل 50 عاما ..فماذا جرى ؟!
أرجوك اقرأ الموضوع، ولاتكتفى بالعنوان . أرجوك فنحن فى زمن تقرأ فيه الصور ، وتشاهد فيه الكلمات..! هذا ليس سؤالا استنكاريا، فالأهلى والزمالك ليسا للبيع .. وهذا المقال ليس مقترحا بخطة ، لبيع الأهلى والزمالك .. وإنما كيف نجعل من أكبر ناديين فى الشرق الأوسط منتجا له قيمة مادية وأدبية هائلة؟ كيف نعلى من القيمة التجارية للناديين وللأندية وللدورى المصرى ؟ كيف يتم تسويق الأهلى والزمالك كما سوقت إسبانيا كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة الذى يتابعه فى المباراة الواحدة مايقرب من 400 مليون مشاهد عبر شاشات التليفزيون ؟
فى عام 2015 أصبح فريق مانشستر يونايتد الأول عالميا فى تقييم شركة براند فينناس البريطانية ، وهو أول ناد يتجاوز تقييمه التجارى مبلغ مليار دولار، فوصل إلى مليار و200 مليون دولار . متقدما على ريال مدريد وبرشلونة، فاحتل الريال المركز الثالث برصيد 873 مليون دولار بينما جاء برشلونة سادسا بقيمة 773 مليون دولار .. أما المركز الثانى فجاء فيه بايرن ميونيخ الألمانى برصيد 993 مليون دولار .. لكن لماذا تقدم مانشستر يونايتد وهو ليس بطلا لأوروبا أو لإنجلترا مؤخرا ؟ أساس التقييم يبدأ من السياسة التسويقية لملاك النادى عائلة جليزر الأمريكية ، وإبرام عقود خرافية مع شركات ملابس ، ورعاية للفانلة، وبيع حقوق البث التليفزيوني، ثم المستوى فى أرض الملعب، وكم النجوم ، وهو مارفع من قيمة أسهم مانشستر يونايتد فى البورصة . وعلى سبيل المثال يحصل يونايتد على 67.3 مليون دولار فى السنة مقابل رعاية الفانلة، بينما يحصل ريال مدريد على 37.5 مليون دولار فى السنة... والعوائد المالية للأندية تعد هدفا لإداراتها المحترفة، فقد تربع برشلونة الاسبانى على قمة الأندية الأكثر إيرادا فى موسم 2014/2015 وفقا لدراسة لمكتب ديلويت . فحقق مايقرب من 600 مليون يورو ، ثم ريال مدريد (577 مليون يورو) وتراجع مانشستر يونايتد الى المركز الثالث (519٫5 مليون يورو).. ويخطط رئيس برشلونة جوسيب ماريا بارتوميو كى تتخطى الإيرادات مبلغ مليار يورو سنويا فى عام 2012.. أين نحن من هذه الأرقام والأهداف واللغة ؟ بعيدون جدا . ولانتحدث اللغة نفسها ، ولانعرفها . وأهدرنا عشرات الفرص للحاق بالعالم، فتقدمت صناعة كرة القدم إلى الخلف وليس إلى الأمام. مع أن الشواهد تؤكد أن منتج الكرة المصرية له شعبيته وجماهيره محليا وإقليميا ، وأكبر دليل مباراة السوبر باستاد هزاع بن زايد فى الإمارات ، وكان المشهد جميلا كأنه «أل كلاسيكو دى لوس كلاسيكوس» أى المباراة الأكثر كلاسيكية من جميع المباريات الكلاسيكية (أو قمة القمم العربية ) .. المستوى ، والحضور الجماهيري، النقل التليفزيونى . وبيع التذاكر، ودخول الاستاد والخروج منه .. فلاكاميرات تلاحق رؤوساء الأندية وتبحث عنهم فى المقصورة، ولا كاميرات تلاحق الاصدقاء والأهل والأحباب .. ناهيك عن مستوى الكاميرا وتقنيتها المرتفعة .. وهذا البث التليفزيونى يترجم إلى أموال فى التقييم لأى حدث رياضى .. وأضف إلى ذلك انتظام المواعيد، واحترام المشاهد، وارتفاع المستوي، وتعدد المنافسين .. ولكن قبل 50 عاما كان الأهلى والزمالك أهم وأقوى ديربى فى الشرق الأوسط ، فهما تأسسا فى 1907 و1911 .. وهما الأقدم فى المنطقة. وهما لعبا معا وديا فى مباراتين لتحديد أيهما أقوى عام 1917 . ووقعا إتفاقية من 28 بندا لتنظيم المباراتين. هكذا سبقا عصرهما ومحيطهما. وقد اهتمت الأهرام بمباريات الفريقين منذ العشرينات من القرن الماضي، وعلقت على المباراة التى أقيمت بينهما يوم الجمعة 17 نوفمبر عام 1922 بقولها: «تبارى النادى المختلط الذى يقود فرقته حسين بك حجازى مع النادى الأهلى الذى يقود فرقته رياض شوقى أفندي، بين جمهور عظيم من مشجعى الطرفين بأرض الجزيرة . ويعز علينا أن نبخل عن أفراد الفرقتين بالثناء والشكر». ثم أعرب المحرر الرياضى عن سعادته وسعادة سائر المتفرجين» أن تكون نتيجة المباراة تساوى الفريقين دون أن يصيب أحدهما مرمى أخيه»! ومع صيحات الثورة وزمن التليفزيون والصحف المصرية فى مطلع الستينيات صنع الأهلى والزمالك شعبية كبيرة فى الإقليم .. وهناك توزيع شبه معروف لجماهيرية الفريقين فى الدول العربية، فالسعودية والكويت وقطر والسودان والأردن والمغرب والامارات يشجعون الزمالك ، وفى سوريا وتونس ولبنان والبحرين والعراق والجزائر وليبيا يشجعون الأهلي، وهناك 11 ناديا إسمه الأهلى تيمنا بإسم الأهلى المصري، ومن أهم أسباب شعبية الناديين فى الدول العربية ريادتهما, فلم تعرف الكثير من دول المنطقة لاسيما الخليج كرة القدم على المستوى التنافسى بينما كانت المنافسة على أشدها بين الأهلى والزمالك فى الستينيات فجذبت أنظار الملايين من الشرق والغرب .. كانت الأندية فى العالم ومازالت ظاهرة رياضية ، وإجتماعية وسياسية أيضا ، وفى الفترة التى تلت ثورة 1952 كتب الكاتب اللبنانى سليم اللوزى مؤسس مجلة الحوادث: «أن الأهلى والزمالك هما الحزبان الوحيدان فى الوطن العربي». وهو نفس ماكتبه د. يوسف ادريس فى واحدة من مقالاته السياسية إذ قال :«ان الأهلى والزمالك هما الحزبان السياسيان الوحيدان فى مصر!» أما الدكتور حسين فوزى , الذى اشتهر بلقب السندباد المصري, فكتب فى الأهرام: «إن جمهور الكرة عموما ظاهرة اجتماعية, وإن موت الأحزاب عندنا, وحاجة الناس إلى شيء يتحزبون له وراء ظاهرة كرة القدم فى مصر» .. وكان ذلك صحيحا إلى حد بعيد فى ذاك الوقت ! وقد أشرت إلى ذلك كثيرا ، فى مقالات وأحاديث، وأشرت إلى محمد بن جالون مؤسس نادى الوداد المغربى الذى قال :« كانت لقاءات الأهلى والزمالك بالنسبة لنا منشورا وطنيا يبث فينا روح العروبة. وكذلك قال محمد بن قاسى المزاواوى أحد المؤسسين لنادى مولودية الجزائري: «الأهلى والزمالك وراء تأسيس الأندية الجزائرية بشكلها العصرى مثلنا مثل كل البلاد العربية الأخري». لم توظف كرة القدم فى مصر هذا الاهتمام وتلك الشعبية التى حظى بها الأهلى والزمالك، لم يستثمر ذلك. وفى الوقت نفسه بدأت القطبية تظهر فى الوطن العربى من الخليج إلى المحيط، وظهرت أندية وفرق لها شعبية ، جارفة فى بلدانها، وتعددت الدربيات. فهناك النصر والهلال، والأهلى والاتحاد فى السعودية و فى السودان الهلال والمريخ، وفى الأردن الوحدات والفيصلي، وفى تونس الإفريقى والترجى وهكذا حدث الاستغناء عن ديربى الأهلى والزمالك خاصة أن مشاهد الدربيات العربية إتسمت بالعرض الجيد، والتنظيم الجيد، والتسويق الجيد، فيما تحولت دربيات الأهلى والزمالك إلى صراع واستعراض قوة فى كثير من الأحيان وتأذت الأعين بمشاهدات فيها القليل من الروح الرياضية، والكثير من التعصب، ففقد الناديان أرضا احتلاها لسنوات، إلا أن شعبيتهما مازالت ضاربة فى الجذور والقلوب العربية، وتخرج كلما اتسم المشهد بإعلاء قيم الرياضة وكرة القدم .. العالم كله يتغير .. حتى الصين، أعلنت أنها سوف تسعى إلى تنظيم كأس العالم عام 2050 والفوز به. ورئيس البلاد أعلن عن تأسيس 50 ألف مدرسة لكرة القدم لصناعة أجيال جديدة.. وذكرت شركة ابوظبى القابضة فى يناير الماضى أن مستثمرين صينيين اشتروا 13 فى المائة من أسهم مانشستر سيتى لكرة القدم من مالك النادى الشيخ منصور بن زايد آل نهيان مقابل 375 مليون يورو.. وتملك شركة أبوظبى القابضة أيضا نادى نيويورك سيتى الامريكى وملبورن سيتى الاسترالى وقسما من يوكوهاما سيتى الياباني.. والواقع أن هذا الاهتمام والتطوير لكرة القدم فى الصين وفى غيرها ، يرتبط بالأداء الاقتصادى . فالثروة تفتح مجالات متنوعة للإستثمار .. حتى فى تايلاند . فنادى ليستر سيتى الإنجليزى صيحة الكرة هذا الموسم ترعاه شركة كينج باور التايلاندية، وهى شركة عملاقة للأسواق الحرة، تجارة التجزئة ، وتمتلك مولات عديدة ( تتوقع الشركة إيرادات بقيمة 100 مليار دولار عام 2016 ) وأنفق مالك النادى خون فيتشاى ملايين الدولارات لبناء الفريق بالإستعانة بالناشئين وأفضل الإداريين والمدربين .. وكرة القدم ليست منتخبات فقط ولا أندية وحدها. وإنما هى مسابقات قوية ومثيرة تجذب المشاهد.. وكانت شركة «براند فاينانس» أعلنت أن بطولة البريمير ليج حققت عام 2014 مبلغا قدره 4 مليارات و13 مليون دولار فيما جمع البوندزليجا (الدورى الألماني) فى الموسم نفسه 2 مليار و675 مليون دولار، و الدورى الإسبانى 2 مليار و541 مليون دولار، والدورى الإيطالى 2 مليار و274 مليون دولار، والدورى الفرنسى ملياراً و738 مليون دولار.. ترى كم جمع الدورى المصرى على عراقته وتاريخه وشعبية فرقه وأنديته فى الفترة نفسها ؟!