الأهرام
عبد الرحمن سعد
آيات الله حولك وفيك
هذا وعد من الله تعالى بأنه سيكشف للناس آياته في نواحي السموات والأرض، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم "أنه الحق".
هذا ما رآه كثيرون رأي العين، في ما حلَّ بالعالم من حولنا، وعبر التاريخ، إذ رأى المظلوم آيات الله في كل ظالم، ورأى الضعيف آيات الله في كل قوي.

قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت: 53)

وتنوعت اجتهادات أهل التفسير في معنى "الآيات" التي وعد الله تعالى القوم بأن يريهم إياها, فقال بعضهم: ظهور محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم - على الناس، وما يفتحه الله له من الآفاق. "وَفِي أَنْفُسِهِمْ"، تعني أهل مكة, يقول: "نفتح لك مكة".

وقال ابن عباس: يعني منازل الأمم الخالية. وفي أنفسهم: بالبلاء، والأمراض .

وقال قتادة: وقائع الله في الأمم، وفي أنفسهم: يوم بدر.

وقال ابن زيد: آيات السماء". وفي أنفسهم: "حوادث الأرض".

وقال مجاهد: "في الآفاق": فتح القرى، فيسر الله لرسوله، وللخلفاء من بعده، وأنصار دينه في آفاق الدنيا، وبلاد المشرق والمغرب، من الفتوح، التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة، وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود، خارقة للعادات.

وقد بيَّن الله تعالى في مواضع أن من آياته التي يريها بعض خلقه، معجزات رسله، لأن المعجزات آيات، أي دلالات وعلامات على صدق الرسل، كما قال تعالى في فرعون: "وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وأبى". (طه : 56).

وبين تعالى في موضع آخر أن من آياته التي يريها خلقه، عقوبته للمكذبين رسله، كما قال في قصة إهلاكه قوم لوط: "وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ". (العنكبوت: 35 ).

وقال تعالى أيضا في عقوبته فرعون وقومه بالطوفان والجراد والقمل: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ".

وتنتظم أقوال المفسرين في أربعة معان: آيات تاريخية ماضية تتعلق بمصارع الأمم، وإراءتها لهم عن طريق الإخبار بقصصهم، أو بالدلالة على ما تبقى من آثارهم.

وآيات تاريخية في الحاضر والمستقبل القريب، تتعلق بانتصارات المسلمين وفتوحاتهم في الأرض، والعقوبات التي حلت بهم.

وآيات طبيعية تتمثل في دلائل الربوبية من شمس وقمر ونجوم وغيرها.

أما "آيات الأنفس" فهي مصارع صناديدهم، وما أصابهم من جوع وقحط، والانتصارات التي حققها المسلمون على قريش مثل بدر، وفتح مكة، وما يشاهده في جسمه من عجائب الصنعة، وغاية الحكمة. وقيل إن هذه الآيات من باب عطف العام على الخاص.

وفِي "الحق" قيل: لهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ - بحسب تفسير القرطبي -: الْقُرْآنُ، والْإِسْلَامُ، أو أَنَّ مَا يُرِيهِمُ اللَّهُ وَيَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ، أو أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الرَّسُولُ الْحَقُّ".

وقوله: "أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، أي: أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على كل شيء، مما يفعله خلقه, لا يعزب عنه علم شيء منه, وهو مجازيهم على أعمالهم, المحسن بالإحسان, والمسيء جزاءه؟

والْآفَاقُ هي: النَّوَاحِي، ومفردها (أُفُقٌ)، و(أُفْقٌ).

ولا يزال الله تعالى يكشف للناس كل حين آيات جديدة، وسيستمر ظهورها حتى تنتهي الدنيا، فإن الإسلام إنما جاء لجميع البشر، فناسب ذلك أن تكون آياته ومعجزاته باقية إلى قيام الساعة.

أخيرا، أنشد ابن أبي الدنيا في كتابه "التفكر والاعتبار"، عن شيخه أبي جعفر القرشي، قوله: "إذا نظرت تريد معتبرا فانظر إليك ففيك معتبر.. أنت الذي تعطى وتسلب لا ينجيه من أن يسلب الحذر.. أنت الذي لا شيء منه له وأحق منه بماله القدر".

فيا كل مظلوم: لا تتعجل فإن الله سيريك آياته في ظالمك، ويا كل محروم سيريك الله آياته في كل قادر، ويا كل محتاج سيريك الله آياته في كل مترف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف