فجر رسم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والذى انتهى إلى اعتراف مصر بتبعية جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، موجات من الجدل الذى لا ينفصل عن جدل مستمر مرده فى تقديري إلى الضبابية التى تحكم الكثير من قرارات النظام السياسي، سواء التى يصدرها الرئيس السيسى أو حتى حكومته، التى بدت أقرب إلى حاملى الأختام الذين يبصمون على قرارات الرئيس، ادعى البعض أن الكثير من وزراء الحكومة فوجئوا بقرار ترسيم الحدود، على ما ينطوى عليه من خطورة تتعلق بالسيادة الوطنية ووحدة أراضى الدولة، التى أقسم الرئيس والحكومة على الحفاظ عليهما.
السياق الطبيعى لقرار من هذا النوع، أن تجرى محادثات عبر لجان فنية مختصة داخل أروقة وزارة الخارجية عبر مدى زمنى مناسب، لتعد الوزراة تصور نهائى تقطع من خلاله بحقيقة تبعية الجزر، ثم يعرض ذلك على لجان فنية فى البرلمان تأخذ هى الأخرى وقت كاف فى التأكد مما انتهت اليه اللجان الحكومية، فإذا تطابقت الرؤيتان أمكن أن يعرض على الرأى العام عبر الإعلام وعبر بيانات واضحة النتيجة التى انتهت إليها، فإما أن تصل اللجان الى أن هذه أرض مصرية لن نفرط بها تحت أى ظرف، أو أنه تم الاتفاق مع السعودية على تحويلها إلى منطقة تكامل واختبار لوحدة مصالح بين الدولتين والاتفاق على صيغة إدراتها وفقا لذلك، وإما التنازل عنها مقابل مجموعة من المكاسب أو الحوافز أو تسليمها للسعودية باعتبار أن اللجان المختصة انتهت إلى تبعيتها للسعودية وأنها كانت معارة إلى مصر فى اطار إمتلاك مصر لقوات بحرية أقوى مقارنة بقوات السعودية فى ذلك الوقت، كما ورد فى هذا البيان المختصر الذى أعلنه مجلس الوزراء والذى كان مخلا فى عرضه على نحو واضح.
البعض يعتقد أن مظاهرة المشروعات التنموية التى أطلقتها زيارة الملك سلمان، بجانب الزيارة غير المسبوقة وما تضمنته من مشاريع كجسر يربط مصر بالسعودية، وهذا التعاون الاقتصادى الكبير؛ ماهو إلا سحابة دخان عظيمة، أراد البعض من خلالها إخفاء أو تسكين غضب محتمل حول التنازل عن أرض مصرية، ولم تقدم الحكومة حيثيات واضحة تبرر قرارها الخاص بترسيم الحدود مع السعودية، الغريب ان ترسيم الحدود مع قبرص واليونان لم يحظ بهذه الضجة التى صاحبت الموقف مع السعودية، ولا أعرف ما الأسباب التى تقف وراء ذلك؟ بالرغم أن الشفافية غائبة أيضا فى تلك الاتفاقات، هل لأن الاتفاق مع السعودية انطوى على تنازل غير مسبوق عن السيادة والأرض أم ماذا؟
عمليا الجزيرتان منزوعتان السيادة بفعل وقوعهم فى المنطقة ج، التى تحتم خلوهما من أى سلاح ثقيل أو خفيف وفقا لقيود “كامب ديفيد” التى تكبل مصر، بينما لا تلزم السعودية باعتبار أنها لا ترتبط بالكيان الصهيونى بأى معاهدات أو حتى علاقات، وبالتالى هى غير معنية بهذا التقسيم الذى يخضع الجزيرة لما تحدده المنطقة ج، هل حدثذلك فى إطار بناء قوة عربية مشتركة؟ وإذا صحت النوايا فهل من الممكن أن يكون جرى تفاهم ما بين الدولتان يغير قواعد اللعبة، ويبنى منظومة أمن عربي جديدة بعد أن تنكرت أمريكا لتعهداتها التاريخية للمملكة، وباتت القيادتان السعودية والمصرية مدركتان أنه ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى انت جميع أمرك. الوقائع تطرح من الأسئلة أكثر من تعطى من إجابات.
هل نحن بصدد مقدمات وحدة تبرر تنازلات متبادلة تقتضي ضرورات الأمن إخفاء تفاصيلها؟ هل نحن بصدد صيغة إذعان بفعل الفشل السياسى والاقتصادى للنظام، جعل كل شىء مطروح للبيع هروبا من إفلاس الدولة؟
هل ما تسرب عن بيع الجزيرة بمبلغ 2 مليار جنيه والحصول على 25 % من عوائد استغلالها صحيح؟ هل المشروعات المطروحة ستبقى إذا رفض البرلمان الاتفاقية أو رفضها الشعب فى إستفتاء لازم تفرضه المادة 151 من الدستور ولا يتبجح ترزية الدساتير بالحديث عن أن المادة لا تلزم الحكومة بالاستفتاء فنص المادة يقول “ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة” وما هو الموقف فى حال رفض الاتفاقية سواء من البرلمان وهو أمر محل شك أو رفض الشعب لها عبر استفتاء.
لا أحد يتحدث مع الشعب بالاحترام اللازم ، ولابحجم معقول من المعلومات التى تبرر أمر على هذا القدر من الأهمية .
من حق الشعب أن يعرف ما يجري؛ لأنه نظريا على الأقل صاحب الأرض الذى لم يعط أحدا شيكا على بياض رئيسا أم حكومة للتصرف فى ممتلكاته وممتلكات الأجيال القادمة .