البديل
محمد سعد عبد الحفيظ
ليس بـ«الرز» وحده «تحيا ماسر»
في ذات اليوم الذي أعلن فيه مجلس الوزراء عن بيان “الندامة والصدامة”، الذي أقر بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، وفيما تصاعد ضجيج الزفة المصاحبة لزيارة جلالة “الكفيل الأكبر”، كان عدد من نواب برلماننا الموقر يتلقون تدريبا بأكاديمية ناصر العسكرية المعروفة بـ”مدرسة الجنرالات” عن حروب الجيل الرابع، والأمن القومي المصري من المنظور البحري، وإعداد الدولة للدفاع، وتحليل الأوضاع الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، والصراع العربي الإسرائيلي.

ووفق البيان الصادر عن الأمانة العامة لمجلس النواب في 5 أبريل، فالدورة التدريبية التي يشارك فيها أعضاء “الموقر” تهدف إلى تثقيفهم وثقل خبراتهم في الملفات سالفة الذكر، وسيحاضر فيها عدد ممن يطلق عليهم “خبراء استراتيجيون”.

لا أعلم كيف تناول الاستراتيجيون، جريمة تسليم الجزيرتين إلى آل سعود، في محاضرات تم تخصيصها للحديث عن الأمن القومي المصري من منظور بحري، وكيف تفاعل نواب تعرضت عقولهم إلى عملية مسح استخدمت فيها تقنيات “حروب الجيل الرابع” مع تلك القضية الخطيرة، وهل اختلف حديث العسكريين السابقين عن خطوط ودوائر الأمن القومي في قاعة الدرس بعد بيان الحكومة عن كلامهم قبل صدوره.

مساء السبت الأسود، الذي أصدرت فيه الحكومة بيان “العار” الخاص بتعيين الحدود البحرية، التقيت بنائبين ينتميان إلى “دعم مصر”، أحدهما أكد لي أن الاتفاقية لن تمر، “مؤسسات الدولة الحاكمة لن تقبل بها، ونحن في البرلمان سنتصدى لها”، أما صاحبه النائب الآخر، فقال “لا تعول كثيرا على البرلمان، نحن في انتظار رأي المؤسسة”، مضيفا “المحاربون القدماء الذين يعرفون ثمن الدم ممن التقيتهم أكدوا لي أن الاتفاقية لن تمر.. البلد لها أصحاب”.

في اليوم التالي، فتح أطراف الصراع السياسي المزاد، وانفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي ماسورة “خرائط ووثائق”، ووصل العبث إلى قمته عندما اندفع الإخوان إلى “تشيير” خطبة عبد الناصر التي يشدد فيها على مصرية الجزيرتين، وثوار يناير يقفون على خط واحد مع أبناء مبارك و”يشيرون” كلمات مأثورة لـ”سيئ الذكر أبو علاء” عن استحالة التفريط في شبر واحد من أراضي الوطن، والسيساوية ربنا يشفيهم يستشهدون بتغريدة لعمرو حمزواى والبرادعي عن ضرورة احترام القانون الدولي.

وقع الكل في فخ الأوراق والخرائط وبنود ومواد القانون الدولي، وتناسوا جميعا أن الأرض لمن ضحى من أجلها وسالت دماؤه على ترابها.

الفريق عبد المنعم خليل، قائد الجيش الثاني في حرب أكتوبر، وقائد منطقة شرم الشيخ خلال حرب يونيو 1967، قال في كتابه “حروب مصر المعاصرة من أوراق قائد ميداني” تحديدا في الصفحتين رقم: 81 و82: “صدرت لي أوامر شخصية من المشير عبد الحكيم عامر لاستطلاع جزيرة تيران ووضع دورية بها للإنقاذ والمراقبة، تم تعيين دورية ثابتة بقيادة ضابط، وتم نقلها بطائرة هليكوبتر واحتلت مواقعها ومعها تكديسات إدارية (طعام/مياه/ذخيرة )، ولما صدر لي أمر الانسحاب لم أستطع إنقاذهم لعدم وصول الطائرة الهليكوبتر من يوم 4 يونيو 1967، ولم تستطع أي من لنشات البحرية وحتى قوارب الصيد الاقتراب منهم والوصول إلى شاطئ الجزيرة، وأخطرت القيادة العامة بفشل مجهود إنقاذهم وإعادتهم، وللأسف وقعوا جميعا في الأسر بعد انسحاب قواتي من المنطقة، رغم أني علمت أن القيادة العامة أخطرت السلطات السعودية لنقلهم قبل وصول الإسرائيليين إليهم..”.

وهذا يعني أن آل سعود الذي جمع وزير خارجيتهم الجبير عددا من زملائنا الإعلاميين مساء الأحد؛ ليقنعهم بأحقية المملكة في الجزيرتين، تركوا جنودنا فريسة للصهاينة، ووقفوا موقف المتفرج وأشقاؤهم في الجيش العربي محاصرون.. تركوهم يقعون في الأسر دون أن يتحرك لهم ساكن، وبعد أن تحررت الجزيرتان واستقرت الأمور مع العدو الصهيوني، وضمن حكام المملكة أنه لن تكون هناك مواجهة في المنظور القريب مع المحتل الإسرائيلي، طلبوا من نظام ضعيف مثقل بالأزمات أن يسلم أرضًا لم يدفعوا فيها ضريبة الدم، قايضوها بـ”الرز” الذي يتخيل النظام أنه سينشله من ورطته الاقتصادية.

بالرغم من عدم ثقتي في مجلس النواب وانتقادي الدائم لطريقة تشكيله وأعضائه الذين دخلوا القاعة المستديرة من بوابة الأجهزة، إلا أنني أناشد ما تبقى من ضمائرهم أن ينتفضوا لكرامة وطنهم، ويرفضوا اتفاقية العار، حتى لو كانت النتيجة وقف ضخ “الرز”، فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف