سليمان جودة
الدقهلية تنجب مواطنًا كل خمس دقائق
قرر حسام الدين إمام، محافظ الدقهلية، وضع ساعة سكانية فوق مبنى ديوان عام المحافظة ليعرف منها كل مواطن دقهلاوى، كم عدد سكان محافظته، وكم تزيد المحافظة فى كل يوم، بل فى كل دقيقة كما بينت الساعة بعد وضعها فى مكانها الأسبوع الماضى!
الساعة كشفت فى يومها الأول، أن عدد سكان الدقهلية ستة ملايين وعدة آلاف، وقال المحافظ بعد بدء عملها، إن الهدف من وجودها فى مكانها، أن يكون هناك قدر من الوعى، لدى كل من يمر عليها من أبناء المحافظة، بخطورة القضية السكانية، وبالتأثير السلبى للتزايد السكانى السريع، على قضايا التنمية بوجه عام.
الطريف، أن مقارنة بين عدد سكان المحافظة على شاشة الساعة، فى لحظة بدء عملها، وبين عددهم بعد بدء عملها بعشرين ساعة، أشارت إلى أن العدد زاد 042 مولودًا، بما يعنى 120مولودًا كل عشر ساعات، وبالعربى الفصيح 21 مولودًا كل ساعة، وبالأدق: مولود كل خمس دقائق.
الفكرة التى لا وجود لها فى أى محافظة أخرى، باستثناء ساعة صلاح سالم، المثبتة على جدار جهاز الإحصاء، فكرة جيدة، وإذا كان الهدف من ورائها، كما قال المحافظ، هو رفع درجة الوعى لدى أبناء المحافظة، بخطورة وعواقب أن تظل الزيادة السكانية بمعدلها الحالى، فهذا فى حد ذاته كلام جيد أيضًا.. غير أنه لايمضى.. بل إنه لن يؤدى إلى شىء عملى على الأرض.. وإلا.. لكانت ساعة صلاح سالم، التى تحصى سكان البلد كله لا سكان محافظة وحدها، قد أدت إلى شىء عملى، منذ أن وضع الجهاز على جداره أمام كل المارين فى الشارع!
فى حالات الدول الأخرى المماثلة، كان وجود مثل هذه الساعة، مقترنًا بسياسات يجرى تطبيقها أولًا بأول، بحيث لايكون كل دور الحكومة هو إحصاء عدد السكان وإنما دورها أن تتخذ ما من شأنه أن يوقف الزيادة عند حدودها المعقولة، لا أن يمنعها طبقًا!
إن الصين هى أبرز الدول فى هذا الاتجاه، وهى التى عندما قررت وقف الزيادة السكانية، أو بمعنى أدق، التحكم فيها، أقرت «سياسة الطفل الواحد» الشهيرة، وأفهمت كل الصينيين، أنها كحكومة سوف تكون ملتزمة بالطفل الأول فى كل أسرة، تعليمًا، ورعاية صحية، وغيرهما، وأن أى أسرة إذا شاءت أن يكون عندها طفلان، أو ثلاثة، أو أكثر فعليها أن تتكفل بالثانى، وكل الذين سوف يأتون بعده سواء جاءوا ثلاثة أطفال، أو حتى عشرة، لأن التزام الدولة هو بالمولود الأول وحده ولأن إمكانات الدولة لاتسمح بأكثر من هذا، ولأن هذه هى سياسة الدولة المعلنة، ولأن هذا هو قرارها الذى يعلمه الجميع مسبقًا.. وقد نجحت هذه السياسة معهم وأدت غرضها تمامًا.
وقبل عام، وكان للصين كلام آخر، إذ تخلت عن سياستها القديمة، وأطلقت حرية الإنجاب، وقالت حكومتهم قبل أسبوعين من الآن إنها سوف تمنح الاب إجازة أبوية عند الإنجاب، تصل إلى 51 يومًا، وأن هذه الإجازة بالنسبة للأم، سوف تمتد لتصل إلى سبعة أشهر، بعد أن كانت فى السابق ثلاثة فقط!
ماذا يعنى هذا؟! يعنى أن الموضوع ليس أن نعلق ساعة سكانية فى القاهرة أو فى الدقهلية، أو فى أى محافظة سواهما، وإنما أن تكون للدولة سياستها الواضحة فى هذا الملف، وأن تكون سياسة مدروسة بالطبع، وأن يجرى إعلانها على الناس جميعًا، ليلتزموا بها، ولتراقبها الدولة وتراقب تطبيقها باستمرار، لأن الموضوع ليس هينًا، ولأنه يتصل مباشرة بمستقبل وطن بكامله.. وليس من الضرورى أبدًا أن نأخذ سياسة الصين فى هذا الأمر، ثم نطبقها بالكربون، ولا أن نأخذ سياسة غيرها من الدول بطبيعة الحال، لأن ما يصلح لهم هناك فى بكين، قد لايصلح لنا هنا.. ولذلك، فالمطلوب أن نأخذ منهم ما يفيدنا، وأن نترك ما هو سواه، وأن تكون لنا سياستنا السكانية التى تناسبنا، وأن نأخذ القصة كلها بجد!