الصباح
جلال الغندور
حرب البرلمان على الفيسبوك
بعد سنين من رسوخ حق حرية التعبير فى العالم أجمع فجأة قرر المشرع المصرى شن الحرب على الفيسبوك وأصبحت فكرة فرض رقابة على موقع التواصل الاجتماعى مطلبًا ملحًا للبرلمان المصرى خاصة بعد تصريحات الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، بأن المجلس بصدد إصدار قانون لتنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعى.
الفكرة تطرح 3 محاور لمناقشها وكيف ستنفذ
1-أول هذه المحاور هى دستورية هذه الرقابة وأثرها على حرية التعبير فمصر كانت من أوائل الدول التى كفلت حق التعبير منذ ما يقرب من 100 عام عندما أقر فى دستور 1923 فنصت المادة (14) منه على أن حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك فى حدود القانون، على نفس النسق تقريبًا وبكلمات قليلة مختلفة كفلت المادة (65) من الدستور الحالى حرية الرأى والتى نصت على «حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر». وأعتقد أن أى رقابة على الفيسبوك تتنافى مع حرية التعبير.
2-المحور الثانى هو كيفية تطبيق هذه الرقابة وكيف سيتم فرض رقابة على مستخدمى الفيسبوك فى دولة تحتل المركز الرابع عشر عالميًا والمركز الأول عربيًا فى عدد المستخدمين بنحو 30 مليون مستخدم ؟ وكم موظفًا أو ضابطًا سيكون مسئولًا عن هذا الكم الهائل من المستخدمين والذى يتجاوز نسبة 30 فى المائة من سكان مصر؟ وما هو نوع هذه الرقابة؟ وما دستورية هذا القانون؟
أعرف أنه من الممكن تقليل عدد المسئولين عن مراقبة هذا الكم من المستخدمين شريطة تعاون شركة فيسبوك مع السلطات المصرية (إن ظل العدد يتجاوز العدة آلاف) وإن كنت متأكدًا أن هذا التعاون من المستحيل حدوثه خاصة وأن فيسبوك رفض منذ أسابيع قليلة الإفصاح عن معلومات للسلطات المصرية وأدى ذلك إلى إلغاء الانترنت المجانى فى مصر.
وقبل أن يعتقد أصحاب نظرية المؤامرة أن ذلك جزء من المؤامرة الكونية على مصر نؤكد أن ذلك من حرص مثل هذه الشركات على سرية معلومات مستخدميها ولنا فى شركة «أبل» أسوة عندما رفضت الكشف عن معلومات تخص هاتف الإرهابى سعيد فاروق منفذ تفجيرات كاليفورنيا للسلطات الأمريكية. بالإضافة للصراع القضائى الدائر بين نفس الشركة والسلطات الفرنسية عقب تفجيرات باريس لتصميم آبل على الاحتفاظ بسرية مستخدمى هواتفها مهما كانت الأسباب.
هذا الصراع جعل شركة واتس أب تسارع فى الأيام القليلة الماضية بالكشف عن نظام تشفير جديد للرسائل عبر برنامجها يحمى رسائل المستخدمين من التجسس أو الاطلاع من أى طرف ثالث (غير المرسل والمستقبل) حتى لو كانت الشركة نفسها.
3-ثالث المحاور هى نوع القانون نفسه فمصر دون كل الأوطان لديها 3 أنواع من القوانين أولها نوع عادى يطبق بكل سهولة. ونوع فضفاض مسلط على رقاب العباد يستخدم وقت الحاجة مثل جريمتى السلم أو الصفو العام أو التأثير على العدالة فنرى مثلا فى مادة 187 من قانون العقوبات والتى نصت على تجريم نشر أمور من شأنها التأثير على القضاة الذين يناط بهم الفصل فى دعوى مطروحة أمام أى جهة من جهات القضاء فى البلاد وفى رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق أو التأثير على الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة فى تلك الدعوى أو فى ذلك التحقيق أو أمور من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولى الأمر أو التأثير فى الرأى العام لمصلحة طرف فى الدعوى أو التحقيق أو ضده».
كلام فضفاض يحمل عدة وجوه فمن الممكن أن يعتبر نشر صورة الضحية تأثيرًا على القاضى أو الرأى العام أو الشهود
أما النوع الثالث من القوانين فهو قانون من الممكن أن نطلق عليه «قانون لإهدار المال العام» مثل قانون غرامة الـ500 جنيه لعدم المشاركة فى الانتخابات والتى تكلف الدولة فى كل عملية انتخابية الملايين من الجنيهات فيتم طباعة الآلاف من أوراق المحاضر وتسليمها لكل رئيس لجنة لكى يقوم بتحرير محاضر لكل المسجلين فى الكشوف الانتخابية ولم يشاركوا وفى آخر الانتخابات يتم إلقاء ملايين الأوراق فى القمامة.
وأعتقد أن قانون الرقابة على الفيسبوك لن يخرج عن النوعين الأخيرين من القوانين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف