الصباح
محمد محمود فوزى
التحولات الاستراتيجية للبيت الأبيض10 تحديًا أمام أمريكا بعد رحيل أوباما
>>تعزيز العلاقات مع مصر..والتراجع خطوة فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط
>> التركيز على إلحاق الهزيمة بالميليشيات المسلحة وعلى رأسها «داعش»
فى نهاية العام الحالى سيكون قد عرف سيد البيت الأبيض الجديد ومما لا يخفى على العامة قبل المتخصصين فإن السياسات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط بمفهومه الواسع (الذى يضم الدول العربية بالإضافة لكل من إسرائيل وتركيا وإيران) قد مرت بمتغيرات كثيرة فى فترتى حكم الرئيس الحالى باراك أوباما بالتوازى مع متغيرات كثيرة شهدتها المنطقة تؤكد أن الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط تمر بمنعرج مهم وتشير لتحولات كثيرة قادمة.
ولا يمكن أن تدرك السياسات الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط إلا فى ضوء أمرين حاكمين الأول هو مبدأ أيزنهاور فى 1957 والذى لا يزال بمثابة مبدأ تأسيسى لكل ما يخص الشرق الأوسط فى الذهنية الأمريكية مهما تعاقب عليها من رؤساء. والثانى وهى مقولة ونستون تشرشل «الأمريكيون يفعلون الشيء الصحيح ولكن بعد تجريب كل البدائل الأخرى».
منذ انتهاء الحرب الباردة والولايات المتحدة تتحرك سياستها الخارجية فى العالم من منطلق واحد وهو تأكيد وضمان هيمنتها على العالم بأسره وكذلك الحال فى منطقتنا لم تتمتع به من ميزات استراتيجية ومقومات اقتصادية وتماس جغرافى مع نقاط حيوية فى مرتكزات القوة الأمريكية المهيمنة. ونتيجة للأخطاء الخاصة بسياسة بوش الابن فى المنطقة أنذرت بتراجع للنفوذ الأمريكى رغم فاتورة التكاليف الباهظة نتيجة للانهماك الأمريكى فى المنطقة كان على إدارة أوباما أن تعيد كتابة الأولويات الأمريكية فى المنطقة وتعيد صياغة «شكل» التعامل الأمريكى مع أهدافها والقضايا المرتبطة بذلك فى ضوء كثير من المتغيرات والتحولات التى يشهدها الشرق الأوسط.
عمدت إدارة أوباما فى بدايتها إلى تأكيد أن المحور الرئيسى للسياسات الخارجية هو الاتجاه شرقًا ومحاولة إعادة صياغة الدور الأمريكى فى آسيا نتيجة للصعود الصاروخى للتنين الصينى وتنامى القدرة الهندية فى نفس الوقت التى تنزع فيه أمريكا قدمها الغليظة فى المنطقة من خلال الخفض التدريجى للوجود العسكرى الأمريكى على أرض العراق ونقل المسئولية الأمنية إلى العراقيين وإعادة صياغة العلاقات مع إيران وخاصة بعد أن تخطت إيران بالفعل العتبة الإيرانية وصياغة خطاب رسمى أقل تورطًا وأكثر نعومة فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى والصراع العربى الإيرانى وحتى صراعات النفوذ الإقليمى بين إيران وتركيا.
ولرسم صورة استشرافية للقادم فى شكل وجوهر الاستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط لابد من إدراك كثير من المتغيرات بالنسبة للداخل والخارج الأمريكى وهي:
- تغير المعادلة الحزبية الأمريكية من خلال قراءة بسيطة للانتخابات التمهيدية لكلا الحزبين فالتقدم الذى يحرزه الخطاب اليمينى المتطرف للمرشح دونالد ترامب المنتمى للحزب الجمهورى ينذر بانشقاقات داخل المعسكر الجمهورى بين اليمين واليمين المتطرف ويتضح ذلك من خلال التعبير العلنى لمنافسين جمهوريين وغيرهم عن عدم التزامهم بدعم ترامب فى سباقه الرئاسى ورفضهم لخطابه.
- صعوبة التورط فى حروب جديدة نتيجة لارتفاع مستوى عجز الموازنة والضغوط التى تواجهها إدارة الرئيس أوباما لتقليص الإنفاق العسكرى وتقليص ميزانية وزارة الدفاع.
- إعادة التوازن نحو آسيا ومنطقة الباسيفيك والتى أضحت تنال الاهتمام الأكبر والأولية الكبرى على حساب الشرق الأوسط.
- تغير الوضع من الحفاظ على تدفق النفط من المنطقة كأحد الأهداف الإستراتيجية الأمريكية ليصبح الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة هو الهدف الجديد لصانع القرار فى الولايات المتحدة فى ظل الاكتشافات الأمريكية الجديدة والمعروفة باسم ثورة النفط الصخرى والتى تشير التقديرات أن الولايات المتحدة ستصبح دولة مصدرة للنفط بحلول عام 2030 على أقصى تقدير.
- ضبط الخطاب الدبلوماسى والتراجع خطوة إلى الوراء، التعامل مع قضايا الشرق الأوسط بانتقائية وعدم تبنى استراتيجية شاملة والتأكيد لدول المنطقة حتى الحلفاء على أهمية اضطلاعهم بقضايا المنطقة وتعاملهم المباشر مع أزماتهم دون التعويل على الدور الأمريكى.
تحويل نمط العلاقات مع إيران من العداء إلى التعاون فى قضايا بعينها وصولا إلى علاقات طبيعية خلال مدى زمنى متوسط.
- العمل مع شركاء إقليميين وأوروبيين لإيجاد منطقة آمنة وملاذ للاجئين السوريين داخل الأراضى السورية فى ضوء أن الحل العسكرى لن يكون متاحًا كحل للتخلص من نظام بشار الأسد وبذلك يمكن أن يكون فى المستقبل القريب بناء معارضة سورية أكثر تماسكا يمكنها أن تغير فى ميزان القوى فى الداخل السورى ويسمح للمعارضة «السلمية» باكتساب قوة سياسية شرعية.
- التركيز على إلحاق الهزيمة بالميليشيات المسلحة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية – داعش – من خلال أى شراكات ممكنة ومتاحة وغض النظر عن الوجود الروسى فى الإقليم فى مقابل دوره الفاعل على الأرض فى مواجهة هؤلاء.
- العمل على زعزعة استقرار وإن أمكن القضاء على الميليشيات المسلحة فى لبنان – حزب الله – وفلسطين – حماس – واليمن – الحوثيين وميليشيات صالح وليبيا – الدولة الإسلامية دون الاضطرار للدخول فى عداء مع إيران من جديد أو التورط على الأرض بأى شكل من الأشكال.
- تعزيز العلاقات مع مصر لأنه لا يمكن الحديث عن تعزيز نظام الدولة فى الشرق الأوسط والاستقرار الإقليمى دون الحديث عن علاقات فاعلة وقوية مع مصر.
- الاتصال الدائم والدؤوب مع القيادات فى إسرائيل للعمل على إيقاف التآكل فى العلاقات الثنائية من خلال شخص خارج إطار الإدارة الأمريكية يكون مقربًا للرئيس الأمريكى القادم ويمكنه التفاهم مع القيادة الإسرائيلية حول قضايا إيران والعلاقات مع الفلسطينيين والعرب.
نخلص من كل ما سبق أنه لا يمكن لأحد الحديث عن انتهاء الدور الأمريكى فى المنطقة أو انتفاء أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ومصالح أمريكا فى ضوء رؤيتها لذاتها كقوة مهيمنة على العالم إلا أنه يجب أن ندرك أنه قد آن الحديث عن فطام عربى من النفوذ الأمريكى ووجوب أن نضطلع بقضايانا وأمننا وبناء استراتيجية اقليمية واضحة المعالم نضطلع فيها كعرب بدور السيادة فى شئوننا الجامعة بعيدًا عن التوغل لأى طرف خارجى سواء الروس أو الأتراك أو الإيرانيين وبناء شراكة استراتيجية عربية قائمة على كم المصالح المشتركة وبعيدًا عن الخطب الدبلوماسية الجوفاء وأحاديث الشجون والعواطف المستهلكة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف