عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. البرلمان.. عاد «لريمة» القديمة
وريمة.. تعود دائماً ـ فى مصر ـ إلى عادتها القديمة!! فإذا كانت برلماناتنا قديماً قد نعمت بوجود النائمين تحت القبة والمصفقين تحت القبة والغائبين عن القبة. فإن برلماننا الحالى لم يكسر هذه القاعدة، المتأصلة فينا.. وها هو يرث الميزة المصرية الأصيلة والقديمة.. ألا وهى غياب النواب عن الجلسات.. بعد أن يوقعوا ـ هم ـ أو يوقع غيرهم عنهم ليقبضوا بدل حضور الجلسات، كعادة المصريين فى التوقيع على دفاتر الحضور والانصراف.
<< وها هو الدكتور على عبدالعال ـ رئيس برلمان الثورة ـ يشكو ويشكو.. ويكاد يشد شعره، اعتراضاً على هذا السلوك غير المسئول.. تماماً كمااشتكى من قبله كل رؤساء البرلمانات المصرية السابقة من الدكاترة: فتحى سرور وحتى لبيب شقير، مروراً بحافظ بدوى وسيد مرعى، وحتى أنور السادات وعبداللطيف البغدادى.. فماذا كسبنا.. سوى هذا الغياب المستمر عن الحضور ولكنهم أيضاً يحرصون على التوقيع على حضور اجتماعات اللجان.. لأن العداد بيحسب.. على رأى عادل إمام ـ فناننا الساخر ـ فى فيلمه الشهير!!.
والمؤلم أننا قررنا زيادة المخصصات المالية للنواب، سواء عن حضور جلست المجلس، أو اجتماعات اللجان، حتى «نملأ عين» من يحلم بتعويض بعض ما أنفقه خلال حملته الانتخابية.. ورغم ذلك، فالغياب مستمر،.. والتأخر عن المواعيد المحددة للجلسات العامة.. وجلسات اللجان النوعية.
<< وهذه العادة، شديدة السوء، دفعت الدكتور على عبدالعال الى اتخاذ قرار بإغلاق نظام التوقيع بعد مرور نصف ساعة تأخيراً، بعد المواعيد المحددة.. ولكن هذا لا يكفى.
والمشكلة أن البرلمان الحالى ـ الجديد ـ يناقش الآن بيان الحكومة ومشروع الموازنة العامة للدولة، وهو أول بيان للحكومة، فى ظل البرلمان الجديد.. فإذا كان الأمر كذلك ـ فى أخطر عمل للبرلمان ـ فماذا يفعل البرلمان فى غيره من الأمور.. لأن المعروف أن الأوضاع المالية الحالية هى أخطر ما يواجه البلاد والآن بسبب تدنى المشاكل وماأكثرها.. وأيضاً بسبب العجز الرهيب فى الموازنة.. ويبدو أن النواب نسوا أن البرلمانات لم تنشأ أصلاً إلا للرقابة على أعمال الحكومات.. هكذا عرفنا.. وهكذا يقول تاريخنا البرلمانى، منذ أول برلمان عام 1866 أيام الخديو إسماعيل.
<< وكنا نرى أن مصر ـ بعد أن استكملت قواعد الدولة الحديثة بإصدار الدستور الجديد وانتخابات رئيس الجمهورية، ثم انتخاب أعضاء البرلمان ـ كنا نظن أننا سوف ننطلق الى مستقبل أكثر إشراقاً.. ولكن ما يجرى ـ بهذا الغياب ـ المتوالى للنواب ـ لا يبشر بأى خير.. على الأقل من ناحية مبدأ تقاسم السلطة.
وليت هذا السلوك شديد السوء من أعضاء مجلس النواب الحالى، يقف عند مجرد تأخر الأعضاء عن بداية الجلسات.. ولكن يمتد الى سلوك أكثر سوءاً هو انشغال النواب عن متابعة ما يدور داخل الجلسة التى يحضرونها بانشغالهم باستخدام المحمول رداً أو طلباً أو استجابة لشهوة الكلام وهى عادة مصرية سيئة.. ولكن الأمر وصل الى حد الدخول فى موجة ألعاب تكثر على هذا التليفون المحمول.. يعنى «تضييع.. وقت» فى هذه الألعاب.. وكأن مستقبل الوطن أصبح لعبة من بين الألعاب!!
<< وربما انشغال النواب ـ إذا حضروا ـ بالحديث أو اللعب فى المحمول، هو السبب الذى من أجله قرر رئيس المجلس عدم تصوير الجلسات، أو عدم إذاعتها على الهواء.. خاصة وأن قناة «صوت الشعب» التليفزيونية الرسمية كان قد تم افتتاحها لتنقل جلسات البرلمان.. والطريف أن أعضاء البرلمان رحبوا بقرار رئيس المجلس.. حتى لا تكشفهم الصور، إذا ناموا وهم تحت القبة.. أو انشغلوا بالمحمول.. أو ينعمون «بالتعسيلة» دون أن تضبطهم عدسات المصورين.
<< ويبقى السؤال: هل هذا هو البرلمان الذى كنا نتمناه.. هل هذا هو البرلمان المعبر عن «مصر.. الثورة» أم أن ما نراه يؤكد حقيقة أن.. ريمة.. عادت.. إلى عادتها القديمة!!