الأهرام
ليلى تكلا
المصالحة مع من؟ ولماذا يطالبون بثورة ثالثة؟
المقولة الثانية التى ترددها وسائل الاتصال وبعض الصحف هى دعوة لثورة ثالثة.. دعوة تستدعى التعرف على أمرين: ما هو هدف الثورة الثالثة ومن المستهدف: كل ثورة لها أسبابها ودوافعها. "ثورة يناير" قامت تعبر عن رفض أوضاع لابد من تصحيحها كانت مطالبها مشروعة تقوم على قيم نبيلة لكنها حادت عن طريقها فكان طبيعياً أن تقوم ثورة للتحرير شارك فيها كافة قطاعات مصر تطالب بتحرير الحكم والأرض والشعب والإرادة. التزمت القيادة بخارطة للطريق اعتبرت الانتخابات البرلمانية آخر خطواتها بينما هى فى الواقع أولى خطوات بناء مصر وصحوة شعبها. جاءت ثورة التحرير لتصحيح الأخطاء غير المقصودة التى جاءت بها ثورة الغضب فما هى أخطاء ثورة يونيه حتى نطالب بثورة ثالثة؟ هل الذين يدعون إليها يرفضون الحكم الدستورى الحديث؟ هل يريدون عودة الحكم الدينى الذى أسقطه الشعب؟ أم إقامة حكم أتوقراطى؟ هل يريدون حكما عسكريا؟ وسبق أن بينا الفروق بين خصائص الحكم العسكرى الذى نرفضه وسمات الشخصية العسكرية من جدية وانضباط وتفانى التى نحتاجها ونطالب بها. هل يريدون إسقاط الوزارة؟ أم تعديل الدستور؟ أم انتخابات برلمانية أو رئاسية مبكرة؟ هذه الأهداف يمكن تحقيقها عن طريق المجلس الذى انتخبناه والدستور الذى وافقنا عليه.

ثم ما هى الوسائل والآليات التى سوف يحققون بها أهداف الشعب ومطالبه؟ هل لديهم وصفة سحرية لحل المشاكل وتحقيق الرفاهية للمواطن تختلف عما يطالب به الشعب من خدمات أفضل وفرص متكافئة واحترام للحريات والحقوق وما تطالب به الحكومة من عمل وانضباط وإنتاج ومشاركة؟ كيف سيوفقون بين الموارد المحدودة والآمال الكبيرة ؟ إن كان لديهم صيغة مختلفة عليهم تقديمها للمسئولين وللقيادة التى أثبتت الوطنية والكفاءة والاستماع لكافة الآراء والاتجاهات. هؤلاء عليهم المشاركة بدلاً من المطالبة بثورة تجاهلاً لتأثير الثورة على مجتمع منهك أرهقته التقلبات. مصر تتعافى والعلاج يقوم على العمل والأمل والواقعية ليس الأحلام، على العطاء والإنجاز فى المكاتب والمصانع بدلاً من الهتاف فى الشوارع والطرقات، يحتاج لتقديم أفكار وحلول جديدة لمرحلة جديدة تحتاج إلى نقد السلبيات والتجاوزات، لإصلاحها مع معرفة الإيجابيات وتشجيعها.

الأمر الثانى هو تحديد من المستهدف بهذه الثورة؟ هناك احتمال شرير لكنه وارد يشير إلى أن المقصود هو القوات المسلحة التى تحمى مصر ومن حولها.. أقوى الجيوش المنطقة والعاشر دولياً.. المؤسسة التى لم يتمكن حكم الإرهاب من اختراقها أو تفكيك أوصالها، فهل قوة جيش مصر وارتباط أغلب الشعب به أمر يؤرق الأعداء؟؟

جيش مصر لا يقتصر دوره على حماية الأرض، يسهم فى مواجهة التحديات والظروف الاستثنائية التى تواجه مصر وشعبها. الجيش يبنى ويشيد ويعمر، يحقق المشروعات الكبيرة ويدعم الصغيرة يقوم برفع الألغام الأرضية وبالزراعة والتصنيع، يواجه مشاكل العيش والغذاء والأسعار ومطالب الشباب. يساهم فى علاج الأمراض المستعصية، يحتضن سائر فئات وشرائح المجتمع بلا تفرقة ويعطى مثلاً وقدوة فى الجدية وحب العمل والإنضباط والنشاط وعدم التكاسل والفداء دون أن يمن أو يطالب بالتقدير. الجيش يعيش حالة حرب شرسة لكن القيادة لا تفرض على الشعب مطالب المعركة فلا نعانى من الأحكام العرفية أو حالة طوارىء أو قوانين استئنائية ومحاكم عسكرية وضرائب المعركة لدرجة أننا أصبحنا نتصور أننا فى حالة عادية مطالب دون عطاء. وفى مفارقة غريبة نسمع الأثرياء والميسورين والإعلاميين يضجون بالشكوى ويرفضون الحرمان حتى من الكماليات بينما أغلب محدودى الدخل يفهمون ويتفهمون. جميع الجيوش تقوم بمهام مدنية. الولايات المتحدة الداعية للتوازن والفصل بين وظائف الدولة يقوم سلاح المهندسين بتنفيذ مشروعات مثل أى شركة كبرى وجيش مصر يراعى ظروفها ويعمل على توفير احتياجات محدودى الدخل التزاماً بالعدالة الاجتماعية يقول تولستوى إن العبرة فى التفوق العسكرى ليست مجرد عدد الجيوش أو قوتها أو فى المعدات إنها أساساً العنصر البشرى وايمانه بما يفعل، واستعداده للتضحية بكل شىء مما يجعله يستخدم أو يبتكر أفضل الطرق والأساليب للانتصار. ويسرد المصرى الوطنى والزميل الفاضل د.سمير فرج فى مقاله"ماذا يعنى أن الجيش المصرى العاشر عالمياً"، مصادر قوة الجيش المصرى ويشير من بينها إلى تلك الروح المعنوية التى تحميه وتحمى الشعب. فهل هذه الحقائق تؤرق قوى لا تريد لنا التقدم. يعلنون محاربة الإرهاب واهتمامهم بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان لكنهم يعملون على إضعاف جيوش المنطقة وحرمان شعوبها من الأمان ومن الموارد اللازمة لبناء البنية الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان. يمنعون السلاح عن ليبيا التى تحارب داعش والسعودية التى تتصدى للإرهاب ويماطلون فى اتفاقاتهم مع مصر بينما السلاح يتدفق على أعداء السلام. الجيوش التى يعاقبونها لن تتعدى عليهم تحمى اراضيها وتحميهم من أعداء السلام.

المصالحة خير وسلام إذا بدأ بالمصالحة مع النفس ويقينى أن بين الإخوان من يدركون أن الدعوة للإسلام تكون بالفكر والإقناع والقدوة وليس بالعنف والقتل والتخريب الذى لا يحقق هدفا ويسىء إلى عقيدة كريمة هؤلاء معهم زمام المبادرة لإقناع قياداتهم للتصالح مع السلام حتى يصالحهم الشعب وهو الذى يرفضهم ويطالب بالعقاب.

نحن فعلاً فى حاجة إلى ثورة لكنها من نوع آخر ثورة فى الفكر والثقافة والأداء فى تنمية الحس الوطنى والإنتماء ثورة تدعو إلى حب العمل والإنجاز وزيادة الإنتاج ثورة سلوكية تزرع التكافل والتضامن ورعاية المحرومين، وترشيد الإستهلاك ثورة لمحو الأمية ثورة للتوعية الصحية والنظافة ونشر ثقافة الأسرة الصغيرة. نحتاج ثورة اعلامية تعرف الفرق بين الخبر والرأى بين النقد والاثارة وبين الثقة فى النفس والغرور المفرط. هل هذا مجرد تفاؤل زائد يقينى انه واقع يمكن ان يحققه شعب لا يعرف المستحيل يعيش فرصة اذا ضاعت لن تعود حفظ الله مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف