ناصر عراق
إنهم يحتقرون الشعب المصري
لا تشغل بالك بمَنْ المقصود في (إنهم) الواردة في العنوان... إذ سأسارع وأخبرك أن (إنهم) هم الذين يحكموننا ويديرون شؤون الناس، وحتى لا تظن أن الأمر يقتصر على حكام هذا الزمان فقط، فلك أن تعرف أن احتقار المصريين هو السمة الغالبة لكل حكام مصر، ربما على مر العصور!
اليوم قرروا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير دون أن يعرف أحد، ولمّا فوجئوا بغضب الشعب قالوا إنهم يناقشون هذا الأمر منذ ست سنوات! حسنًا... ولماذا لم تخبرونا؟ والأدهى أنهم أبلغوا إسرائيل قبل أسابيع بشأن إعادة الجزيرتين للسعودية كما ذكرت "الأهرام" في 11 أبريل (أفتح هذا القوس لأخبرك بأني أكاد أجزم أن أمريكا تلعب الدور الرئيس في هذه العملية خدمة لمصالحها هي وربيبتها إسرائيل)!
أرأيت!... إسرائيل تعرف وبرلمانهم يعرف، والشعب المصري والرأي العام المصري خارج الموضوع تمامًا!
وأمس أيضا قال مبارك (خليهم يتسلوا) لما قررت (المعارضة) تأسيس برلمان مواز رفضًا للتزوير الفج في الانتخابات البرلمانية عام 2010، في عبارة تكشف عمق احتقاره للمصريين. وقال أيضا أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك إن الشعب المصري غير مؤهل بعد لممارسة الديمقراطية!
وقديمًا تحدث محمد علي باشا مخاطبًا أحد أمراء الإنجليز قائلا: (لا تحكموا عليّ مقارنة بالجهل الذي يحيط بي... لا يمكنكم أن تطبقوا القوانين نفسها في مصر وإنجلترا... تلزمنا سنوات طويلة لنبلغ المستوى الذي بلغتموه/ كتاب الفرعون الأخير للكاتب الفرنسي جيلبرت سينويه).
صحيح أن محمد علي لم يكن مصريا، وأن المصريين لم (ينعموا) بحاكم من بني جنسهم طوال ألفي عام إلا مع محمد نجيب وجمال عبد الناصر، غير أن ذلك لا ينفي أن كل من جلس على عرش مصر (أجنبيا أو مصريا) تعتريه مشاعر احتقار للذين يحكمهم، حتى وإن اختلفت درجة الاحتقار من حاكم إلى آخر!
إذن نظرة الحاكم المصري إلى الشعب المصري دائمًا تتسم بالاحتقار، ودائما يرنو الحاكم إلى الشعب بوصفه جاهلا لا يستحق أخذ رأيه في شيء، أو إطلاعه على شيء مهما بدت أهميته وخطورته.
إذا كان هذا الكلام صحيحًا، وأظنه كذلك، فالسؤال المطروح بقوة يتمثل في: مَنْ الذي غرس بذرة احتقار الناس في نفوس الحكام؟ وهل من المحتم أن الرجل الذي يستحوذ على سلطة أو مال تنتابه مشاعر التفوق على قومه فيظن نفسه أنه العبقري وأنه الأذكى، فيشرع في التعامل معهم باستخفاف؟ (اسمعوا كلامي أنا بس.. هكذا قال الرئيس السيسي مرة).
إننا في حاجة إلى علماء النفس ليشرحوا لنا لماذا يحتقر الحاكم المصري الشعب المصري طوال التاريخ؟ ولماذا تترعرع بذرة احتقار الآخرين في نفوس كل من يملك سلطة مهما كان حجم هذه السلطة، فضابط الشرطة يستهين بالجمهور، والمسؤول الكبير يستخف بمرؤوسيه، والحاكم يتفاوض ويتنازل عن قطعة أرض دون أن يشاور الناس؟!
حقا... إنها سلسلة بائسة من احتقار دائم للشعب!