التحرير
عمرو حسنى
يا أهل الشر كفاية قر!
أتمنى مخلصًا أن يتوقف الرئيس عن استخدام نظريته التى تلقى بمسؤولية تدهور الأحوال على عاتق أهل الشر. لأنها نظرية خاطئة تمامًا، وأقل ما يقال عنها إنها تحول الوطن إلى سيارة ميكروباص يضع سائقها ملصقًا يقول: "يا أهل الشر كفاية قر"، بينما يمارس قيادتها معتقدًا فى قرارة نفسه أنهم السبب فى كل الحوادث التى تتعرض لها العربة! الأوطان لا تدار هكذا. ألف باء السياسة تؤكد أن وجود الضغوط والمعارضة والرأى العام الذى يرفض اتخاذ السلطة قرارًا ما، أو يسبق التوقيع على معاهدة بين دولتين، يمنح المفاوض قوة تجعله يحصل، إن أحسن إدارة المفاوضات، على أفضل المكاسب من الطرف الآخر، ويحميه فى نفس الوقت من تقديم التنازلات المجانية.

يقول وزير خارجية أمريكا الأسبق الداهية دكتور هنرى كيسنجر إن أبسط عبارة يقولها مفاوض ليتجنب التوقيع على بند يرفضه فى معاهدة ويرغب فى كسب خطوة نحو تعديله للأفضل: آسف، لا أستطيع التوقيع لأن الضغوط الشعبية لا تسمح لى بذلك. أما أن يتحجج القابض على السلطة بأن المعارضين لسياساته هم أهل الشر الذين يضعفون موقفه ويدفعونه إلى خسارة الجولات واحدة إثر الأخرى، فهذه تفسيرات غير سياسية تفتقر إلى المنطق، ويتعلق بها من يبحث عن مخرج يبرر خطأ سياساته. بعبارة أكثر تحديدًا إلقاء الخطأ على المعارضة وتخوينها واحتكار الوطنية واعتبار أن أصحاب الرأى الآخر هم أهل الشر الذين لا يجب الاستماع إليهم دون الإدلاء بأى تفنيد مقنع لمواقفهم، هو قتل للسياسة، كما أنه حجة تستخدمها النظم التى لا تؤمن بالديمقراطية عندما تتهم من لا يملك السلطة ولا يملك سوى رأيه بأن ارتفاع صوته هو السبب فى تعثر خطواتها!

أهل الشر يشوشون ويشوشرون على الإنجازات فلا يشعر بها أحد! وهم السبب فى فشل المفاوضات مع إثيوبيا، والتوقيع على معاهدة مبادئ تمنحها الحق فى التحكم بالنيل كنهر إثيوبى، وتهدر حقوقنا التاريخية، التى تضمنها المواثيق الدولية، فى الاشتراك فى تقرير كل ما يتعلق به باعتباره نهرًا عابرًا للحدود! وأهل الشر أيضًا هم السبب فى تراجع إيرادات قناة السويس لأنهم نصحوا بعدم التعجل فى الإنفاق على مشروعات تكلفتها باهظة دون دراسة مستفيضة! وهم السبب بلا شك فى ارتفاع سعر الدولار وفى تفاقم قضية مقتل الباحث الإيطالى ريجينى، ومن المؤكد أن صوتهم المرتفع هو الذى دفع الشرطة للتورط فى القيام بمحاولات بائسة مخجلة للتنصل من مقتله أحاطتها بشبهات أكبر ولم تبعدها عن مرمى نيران الاتهامات الإيطالية! ولا جدال أيضًا أن أهل الشر هم السبب فى التعمية على المشاورات التى جرت منذ ثمانية أشهر على الأقل بين مصر والسعودية وإسرائيل فى الخفاء بشأن إعادة ترسيم حدودنا البحرية التى كان شعب مصر هو آخر من يعلم بها!

لا يصح سياسيًّا أن يتبنى رئيس الدولة نظرية أهل الشر الذين يشوشون على إنجازاته الهائلة، التى من المفترض أن تدافع عن نفسها بمجرد أن يلمس الناس تأثيرها إيجابيًّا على حياتهم، وأنه يمكن أن يوقف تشويشهم وشوشرتهم بكتيبتين ينثرهما على مواقع التواصل! كأنما تلك المواقع تنقصها بالفعل الكتائب الإلكترونية التابعة للأجهزة الأمنية والمخابراتية، والتى تنكل بخصوم النظام وتشوه صورتهم بالأكاذيب والفضائح الملفقة؟

نظرية أهل الشر لا تصلح للاستخدام فى السجالات السياسية، ليس فقط لأنها نظرية خاطئة ترفع أهل السلطة إلى مصاف الملائكة، وتشيطن من يختلفون معها، ولكن أيضًا لأنها تسهم فى تفاقم الانقسام المجتمعى، لأنها تضع كل المعارضين لسياسات الرئيس فى مرمى نيران مؤيديه من البسطاء لكى يطعنوهم فى وطنيتهم ويرمونهم بالخيانة ويلصقون بهم مسؤولية لا يتحملونها عن الفشل!

يقول "أهل الخير" من أمثال موسى وبكرى إن الجسر المزمع إنشاؤه بين مصر والسعودية سيجلب لنا 200 مليار دولار. ترى هل سيفلح أهل الشر كعادتهم فى إفشال المشروع ويصبحون هم السبب فى ضياع تلك المليارات؟ هذا ما ستكشف عنه الشهور القادمة.

"مش عايز أسمع كلمة تانى فى الموضوع ده" عبارة تقال لأطفال تحت الوصاية لا لمواطنين يتمتعون بكل حقوقهم السياسية، ومنها حق الاختلاف مع رئيس الجمهورية، كموظف عمومى، ومراجعة ما يتخذه من قرارات.

شجاعة الاعتراف بالخطأ تستلزم التراجع عن التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وإحالة الأمر إلى التحكيم الدولى تحت إشراف لجنة شعبية منتخبة وغير حكومية تباشر جهادها القانونى بشفافية تحت عين الشعب. الاستجابة للأصوات العاقلة التى تنادى بهذا المطلب المشروع ستقلل كثيرًا من الاحتقان وتنزع فتيل الأزمة، لأن "أهل الشر" لم يتورط أحدهم يا سيادة الرئيس فى التفاوض بعيدًا عن الشعب فى غرف مغلقة حول أمر فائق الحساسية يمس سيادة الدولة، وتحيط به علامات الاستفهام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف