التحرير
سامح عيد
التظاهر يمنع ثورة
قضية الجزيرتين هزت المجتمع المصري هزًّا ليس على مستوى الوجدان والعاطفة التي دفعت رئيس تحرير للبكاء فقط، فالجيل الناصري القديم تألم بشدة وحرقة وعبر عن هذا بحماس، الشباب عبر عن هذا بغضب.

جبهة الثلاثين من يونيو انفجرت انفجارًا نوويًّا كبيرًا، كنا نقول في السابق تصدَّعت، لم تعد تكفي كلمة تصدَّعت، ولكنها تفككت وتشرذمت وتناحرت وتنابذت، وانفجرت مواقع السوشيال ميديا، سبًّا وقذفًا وتخوينًا في أعلى درجاته منذ 2011.

والسبب بشكل لا يقبل الشك، إدارة سياسية خاطئة.

لن أنزل التحرير اليوم لأني حتى الآن لا أستطيع أن أقول إن النظام باع الأرض، وإن كان الشكل الذي أدير به الملف، تتوفر فيه كل مظاهر البيع، عندما يغلف ويمرر التوقيع على الجزيرتين في وسط مليارات الدولارات التي تضخ على البنك المركزي والمشروعات الكبيرة هنا وهناك أوصلتها إلى 17 اتفاقية كلها عبارة عن أموال تضخ من الجانب السعودي، فهذه هي الإدارة الفاشلة للملف برمته، وعندما يتم التكتم عليه بكل هذه السرية، ونفاجأ أن إسرائيل تم استئذانها، أو فلنقل إعلامها، وقبولها، إنها تتماثل مع ما تفعله الأسر الفقيرة في مصر، عندما تزوج بناتها القصَّر إلى الثري السعودي الكهل، رغم إتمام الأمر فيما يشبه الشرعية، مأذون وعقد وشهود وتوقيع وأيضًا إعلان ودفوف، ولكن الفتاة هي الوحيدة التي لم تستأذن وربما لم تعرف إلا لحظة التسليم مع أموال يتقاضاها ولي القاصر بتبرير أنه يريد أن يصرف على باقي إخوتها.



الدول الكبيرة التي تسمح بالتظاهر لا تحدث فيها ثورات، أما الدول التي تستبد وتقمع التظاهر، فعندما تقوم مظاهرة تتحول إلى ثورة، لأنها تحاول أن تقمعها فتزيد الأمور سوءًا، فيسقط شهداء، فتتحول إلى إرحل.

ولذلك فرغم أنني لن أنزل التحرير اليوم، ولكني مع تعبيرهم عن رأيهم بكل حرية وفي حدود السلمية والسيطرة على أي انفلات حتى ولو لفظي، وهذا هو الطريق الوحيد للتنفيث عن الغضب، فهذه هي الصفارة التي على رأس الضغاطة التي تسمح بتمرير البخار، وأي محاولة لكتم هذا التنفيث، فهي محاولة إما فاشلة أو نتائجها وخيمة.

الأنظمة المرتعدة هي التي تمنع التظاهر، أما الأنظمة الواثقة من نفسها، فهي تعلم أن التظاهر هو أحد أركان الديمقراطية التشاركية، وأحد أركان الحكم الأساسية، لأن هذه هي الديمقراطية التشاركية، فليس معني أن هناك هيئات منتخبة سواء تشريعية أو تنفيذية، أنه تفويض على بياض، بالتأكيد لا، فكثيرًا ما خرجت المظاهرات في الغرب بخصوص البيئة أو بخصوص السياسات المالية، وكانت تقف أمام البيت الأبيض أو أمام الكونجرس، أو أي ميدان في أوروبا، وليس للسلطات أن تمنع، ولكن تعرف وتحدد وتؤمن، بمعنى أن الجمهور الذي انتخب ما زال حاضرًا في المشهد لم يختف، يتابع من انتخبهم ويمارس ضغوطه عليهم ولفته لانتباههم عند أي خطأ أو هكذا يعتبره قطاع من المجتمع.

عندما تلعب مصر مع نيجيريا، ربما يفكر بعضهم أن يشجع نيجيريا وهذا حدث، ولكن الغريب والمثير للدهشة، أن يتهم هؤلاء المشجعين لنيجيريا المشجعين لمصر بالخونة والطابور الخامس وأنهم إخوان، حتى وإن كان الفريق المصري ضعيفًا وأداؤه ضعيفًا، وعرضته للهزيمة كبيرة، هذا لا يمنع أن نظل ندعمه حتى آخر لحظة، ولا يعقل أن نتركهم يسجلون الأجوان بكل أريحية لأن الفوز من حقهم، بل يجب أن نقاوم حتى آخر لحظة.

على فكرة بعض الأهلاوية المنفسنين من أصدقائي كانت قلوبهم مع الفريق الإسباني عندما كان يلاعب الزمالك.

هذا ما حدث في ملف الجزيرتين، لست فنيًّا، ولا أستطيع أن أحسم أن الجغرافيا في صالحهم أو لا، ربما يكون هذا صحيحًا، ولكن ما كان يجب أن تتم بهذه الطريقة، كان يجب أن نناضل ونترك القضية للقانون الدولي، وهذا ليس له علاقة بقضية الأخوة، فكثير من قضايا الميراث بين الإخوة، يستعين الإخوة بخبراء المساحة لتحديد الأنصبة بدقة، وهذا لا يضر إطلاقًا بعلاقات الإخوة، لأن هذا موضوع فني تحسمه قرارات دولية حتى نقطع الشك باليقين.

تحذير الداخلية هو نفسه التحذير الذي أطلقته قبل 6 إبريل 2008 وهو نفسه التحذير الذي أطلقته قبل 25 يناير وقبل 28 يناير، لا تريد أن تتعلم أبدًا، كانت بمنتهى البساطة، تطلب من الداعين إلى هذه التظاهرة التقدم بطلب، وتؤكد أنها لن ترفض، لأنها رفضت قبل ذلك كثيرًا، في مظاهرات الخدمة المدنية وغيرها، وهي نفس التحذيرات التي أطلقها طارق الزمر وإخوانه من على منصة رابعة قبل الثلاثين من يونيو.

وفكرة التحذير بأن الإخوان موجودون، أصبحت بالية، وعلى فكرة كل المظاهرات التي وجدت في أوروبا عند زيارات الرئيس السيسي، كان الإخوان حاضرين بقوة والمؤيدون موجودين، وكان دور الأمن هو التأمين والتدخل عند أي خروقات، وهكذا يكون دور الأمن في المظاهرات الوجود، حتى إذا حدثت خروقات يتدخل، وتحذيرات الداخلية تسيء للثلاثين من يونيو لأنها استطاعت أن تحمي الملايين رغم تهديدات الإخوان الكبيرة، المظاهرات اللي علي الدواق تسيء للنظام.

أدعو الداخلية إلى الالتزام بضبط النفس والالتزام بالمعايير في حماية المظاهرات، وإن حدثت خروقات وعنف يستدعي الفض فعليها الفض بالطرق التدريجية الأربعة عشر، والتي تبدأ بالتنبيه الصوتي، لا نريد أن نشاهد مثلما حدث مع شيماء الصباغ، فالبلد في وضع حرج لا يتحمل أي انفلات أو تهور.

النشطاء من جانبهم وضعوا ضوابط مهمة على مواقعهم على مستوى الشعارات والأهداف، وقالوا بكل قوة من يرفض تلك المعايير فلا ينزل من بيته.

أما دخول مختار جمعة وزير الأوقاف على الخط، وتخوينه لمن ينزل ووصفها بأنها مزايدة على الوطن ودعوة للفوضى والإثارة، وتخدم أعداء الوطن.

مع العلم أنه حرم أيضًا التظاهر يوم 25 يناير الماضي، وقبل ذلك حرَّم الأزهر والأوقاف 25 يناير الأول في 2011، رجاءً لا تزجوا بالدين في مثل هذه الأمور الخلافية، ولا تزيدوا الفجوة بين رجال الدين والشارع المصري، فإما أن تتجنبوا الحديث وإما أن تنصحوا جميع الأطراف بالالتزام بالسلمية والأخلاق، تحاولون أن تثبتوا أنكم لستم علماء سلطة، ولكن مثل تلك التصرفات، يجعلكم في مصاف علماء السلطة بلا أي شك، لأن وزير الأوقاف لم يكتف بذلك، بل قال إن توضيح الرئيس كاف جدًّا لما حدث من لبس في قضية الجزيرتين، أنت بهذا يا مولانا لا تصطدم بمن ينتوي التظاهر فقط، ولكن مع جزء ليس قليلاً من الشعب المصري، والذي لا ينتوي النزول للشارع ولكنه لا يري أن ما فعلته السلطة سليم، فرجاءً لا تخلطوا الدين بالسياسة، لأن هذا يضعف موقفكم في محاربة الإرهاب.

أما إعلام الدببة المزايد، وأن كل من يعارض فهو خائن وطابور خامس، حتى مؤيدي مبارك الذين شاركوا في الثلاثين من يونيو رغم اختلافي الكبير معهم، ولكنهم تم تخوينهم لأنهم رفضوا تسليم الجزيرتين، هذا الإعلام يجب أن يتوقف، لأنه يسكب البنزين على النار، فلا أعلم من مصلحة من تحويل البلد كله إلى خونة، وكيف يستطيع عدة مئات من الأشخاص إدارة دولة كلها خونة من وجهة نظر إعلام الدببة، والمشكلة أن بعض الموجودين في دائرة القرار، سعيدون بهذا الأمر ويظنون أن هذا في صالحهم، رغم أن الكل يشاهد المشهد ثلاثي الأبعاد، والدبة تحمل مطرقتها وتهوي على النظام لتحطم الناموسة التي على رأسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف