أحمد عبد التواب
أول فرصة لقياس حجم الإخوان..
اليوم (الجمعة 15 إبريل) فرصة تاريخية للإخوان لم يُتَح لهم مثيلٌ لها منذ الإطاحة بحكمهم قبل نحو 3 سنوات. وقد خطا البعض منهم خطوات تتجاوز إبداء النية فى اهتبال الفرصة إلى الإعلان عن السعى للمشاركة فيها. صحيح أنهم لم يصنعوا المناسبة، ولكنها جاءت لهم على هواهم، فى إطار دعوة قطاعات واسعة من التيارات المدنية إلى تظاهرة حاشدة للإعلان عن معارضتهم لقرار الرئيس السيسى تسليم جزيرتى تيران وصنافير للمملكة السعودية، والمعروف أن معظم الداعين للتظاهرة هم ممن خرجوا فى 30 يونيو مطالبين القوات المسلحة بعزل الرئيس الإخوانى.
هذه التظاهرة العامة هى الفرصة المستجدة التى تلوح اليوم للإخوان، والتى يمكنهم أن يتسللوا من خلالها إلى ما يزعمون أنهم قادرون عليه عندما تُتاح لهم إمكانية التواصل المباشر مع الجماهير، وهو ما صار تجربة صعبة يتكبدون فيها خسائر فى كل تصدى مع أجهزة الأمن.
اليوم، إذن، تتوفر ظروف موضوعية لأن يحكم المراقبون المحايدون، دون تعسف ولا محاباة ولا افتئات، على وضع الإخوان الفعلى وقوتهم ونفوذهم السياسى ومهاراتهم على الأرض، بما سوف يتجلى عن مشاركتهم فى التظاهرة العامة، سواء بإدراكهم لاستثنائية الفرصة النادرة، التى يصعب أن تتكرر فى القريب، وأيضاً بقدرتهم على الحشد المؤثر الذى تتردد شكوك قوية حوله أنه لم يعد كما كان فى السابق، ثم بقدرتهم على أن يحصدوا منافع، وفى نفس الوقت، أن ينالوا سياسياً من النظام الذى أطاح بحكمهم، على الأقل بوضعه فى حرج أمام الداخل والخارج.
وسوف يبدأ الحكم على كفاءة الإخوان، ربما قبل حساب قدرتهم فى الحشد، من الشعارات التى يرفعونها، وهى التى تُعبّر عن واحدة من أهم المهارات السياسية، بماذا يصوغون الموقف اليوم، وكيف يتعاملون مع أسبابه وآثاره، ثم كيف يتعاونون مع التيارات الأخرى خاصة التى صار بين الإخوان وبينها عداءات معلنة، وكيف يمكنهم أن يكون كل هذا مؤثراً فى أوساط الجماهير.
كيف سيكون تفسيرهم لرفضهم اليوم، لما قالوا عنه فى بياناتهم الأولية إنه تفريط فى أرض مصر، مع مخططهم الذى انكشف على أوسع نطاق أنهم كانوا بصدد عمل ما هو أسوأ بالتنازل عن أرض من سيناء لا خلاف ولا نزاع على مصريتها، بمبرر حل مشكلة الإخوة الفلسطينيين.
وكيف يستنكرون ما قام بالإفصاح عنه مرشدهم السابق، السيد مهدى عاكف، بالتنظير له علناً، فى شريط مسجل بالصوت والصورة، ومتاح حتى الآن على يوتيوب، يشرح فيه نظريتهم التى يرون أنها تحل كل مشاكل النزاع على الأراضى فى الدول الإسلامية، عندما قال
بصريح العبارة إنه إذا كان الأشقاء فى السودان متمسكين بحلايب وشلاتين "ياخدوها"، لأنه، حسب ما قال، لا يهم أن تكون فى مصر أو فى السودان ما دام أنها فى إحدى دول الأمة الإسلامية.
علام يكون اعتراضهم اليوم، ما دام أن جزيرتى تيران وصنافير لم تخرجا عن إطار الأمة الإسلامية؟
الاعتراض من التيارات السياسية الأخرى مقبول ومفهوم ويمكن الدفاع عنه، لأنهم ينطلقون من قاعدة الدولة المستقلة ذات السيادة على كامل ترابها. لذلك، فمن حقهم، ومن توافقهم مع توجهاتهم وعقيدتهم السياسية، أن يروا التنازل عن جزء من الوطن تفريطاً، وأن يدعوا إلى تظاهرة حاشدة اليوم للإعلان عن موقفهم هذا. وكان الأوفق للإخوان أن تكون تظاهرتهم اليوم احتجاجاً على المعارضين الذين لا يضعون فى اعتبارهم أنه ليس هناك تفريط لأن الجزيرتين لا تزالان فى إطار الأمة الإسلامية.
هذه مسائل لا يجوز للإخوان أن يقفزوا برشاقة من مسؤوليتهم السياسية فى الرد عليها وتفسيرها إلى الجماهير التى يزعمون أن لهم باعاً فى التعامل معها وكسبها إلى صفهم!
أضف إلى ذلك أن الإخوان أساءوا إلى أنفسهم وإلى صورتهم لدى الجماهير، عندما اعتمدوا أسلوب التظاهر بالتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، فهل سيرسخون اليوم ما اقتنتعت به الجماهير؟ أم سيحاولون أن يصححوا من صورتهم؟ دع عنك الجرائم الأعظم فى انتهاج رفع السلاح ضد أجهزة الدولة وجرائم اغتيالات رجال الشرطة والجيش..إلخ
التناقض الكبير للإخوان مع معظم الخارجين للتظاهر اليوم، وهو ما لا يوجد خلاف كبير حوله، هو أن هدف الإخوان الذى لا يترددون فى إشهاره أنهم يريدون إسقاط النظام، وإلى عودة مرسى إلى الكرسى، مع تفاصيل أخرى عن الإفراج عن سجنائهم، حتى من صدرت ضدهم أحكام من القضاء..إلخ إلخ، فى حين أن كثيراً من الداعين لتظاهرة اليوم لا يضعون هذا فى أجندتهم، بل إن منهم من يرى أن الدولة لم تكن حاسمة مع الإخوان بالقدر الكافى، بل إن منهم من دافعوا ولا يزالون يدافعون عن النظام حتى مع الخلاف حول ما حدث بشأن الجزيرتين.
اليوم وسيلة إيضاح، أو إنفوجراف، لحالة الإخوان عملياً، وهم الذين سيرسمونها بأنفسهم للعرض على الرأى العام الداخلى وعلى المتابعين من الخارج.
ويخرج عن هذا السياق تناول موقف الداعين للتظاهر اليوم، ومسؤوليتهم عن إعطاء الفرصة للإخوان.