الوطن
د. محمود خليل
السبيل (18)
حاول «مختار» إقناع نفسه بكل السبل. كان يفكر فيها مجردة من كل شىء. مجردة من تداعيات المكان والزمان. أحس معها بالحلم الذى يعيشه الإنسان فى زمان ومكان خاص. عزم ألا يسألها عن أى شىء محيط بها. حدثها كثيراً عن نفسه.. عن حلمه فى الحب الذى تحطم داخله حتى وجدها، عن تراجعه عن العالم إلى ذاته. وكيف أنه خرج من نفسه إليها، ولكن القلق كان يقتله بعد كل لقاء بها. كان يشعر عندما يحدثها أنه ما زال يخاطب نفسه، أنها لم تفتح له بعد باب هجرته إليها، ولكنه كان يستمتع بوجودها إلى جواره.. قدرتها الخاصة على الضحك والابتسام!. لا يذكر أنه ضحك فى عمره مقدار ما تضحك هى فى ساعة!. كانت كطفلة. أبسط الأشياء تشعرها بالبهجة والإثارة. كانت الأرض بالنسبة لـ«مختار» هى السبيل!.. وكانت أرض «أمل» غير أرضه!، لذا نظر كل منهما إلى الآخر ككائن غريب عنه لا ينتمى إلى الأرض التى أنبتت الآخر. «مختار» كان يحب، و«أمل» كانت تكتشف!.. تبحث عن جديد!. خلافاً لـ«أمل» لم تكن «حنيفة فهمى» تبحث عن الاستمتاع بالحياة، بل مجرد الاستمرار فى الحياة، أو الدخول إلى دائرة الوجود، درج من حولها على معاملتها كعدم، كهباء منثور، الوحيد الذى نظر إليها فأبصرها كان «فهمى»، لكنه لم يجد فيها إلا ذلك القالب البشرى الذى يملأ فراغاً معيناً من فراغات الحياة بالصدفة المحضة.

- «فهمى»: ها هى البنت «حنيفة» خارجة من السبيل يا «عقلة»!.. فيما يبدو أنها تريد قضاء حاجة لعم «حنفى». سأذهب وراءها. لا بد أن أكلمها. لقد أكلت دماغى وهضمتها كما نأكل فول أبيها ونهضمه!.

- «عقلة»: حذارِ أن يراك عم «حنفى»، فيحتجزك فى قدرة الفول بقية عمرك، حتى يأتى ابن الحلال الذى يخرجك من القمقم!. سنوات قضيتها امتلكت فى خيالى الكثير من الفتيات اللاتى رأيتهن!.. حتى «أمل» حبيبة «مختار» أتذكر أننى استضفتها عدة مرات!. إننى أخشى إذا تزوجت أن أقول لزوجتى: دعينى أتخيل!.. لا أجيد إلا التخيل. «حنيفة» فرصتى لأعيش الواقع. إنها ليست بالفتاة الجميلة. ليست «أمل» مثلاً، ولكنها شديدة الإثارة. دك الفول جسدها دكاً، ورأى «فهمى» ذلك حسناً. وجه معقول. شعر يختفى أسفـل إيشارب لا تخلعه من فوق رأسها. ولكن الشعر لا يهم. إن «حنيفة» تدغدغ كل جزء فى جسدى. آه بنت القدر!.. دمست كل جزء على نار هادئة!.. نار الفول دائماً هادئة!. ولكن الويل إذا تركت القدرة على النار أكثر من ذلك!.. ستحترق ويحترق الفول. قوت الشعب الطيب!.

- «فهمى»: «حنيفة»!.. «حنيفة»!.

- «حنيفة»: هل تنادينى يا أستاذ؟!.

- «فهمى» (بوله): وهل هناك «حنيفة» غيرك يا «حنيفة»؟!.. هل تجرؤ غيرك أن تسمى نفسها بهذا الاسم؟!.

- «حنيفة»: نعم!.. تحت أمرك.

- «فهمى»: أريد أن أتحدث معك. آه.. أكاد أجن!.

- «حنيفة»: معى أنا؟!.. هل فعلت شيئاً؟!.

- «فهمى»: لا يا «حنيفة»!.. أريد أن أقول لك إننى أحبك!.

- «حنيفة»: تحبنى؟!!. أنا!.

- «فهمى»: نعم!.. ولمَ لا؟!. إنك جميلة لا تدرين قيمتك!.. أنا أقدرك!.. أعرف قيمتك تماماً.

- «حنيفة»: ولكن يا أستاذ أنا...

- «فهمى»: اسمى «فهمى». إننى من سكان السبيل!.. أراك كل يوم. منذ فترة وأنا أريد أن أتحدث معك.

- «حنيفة»: أرجوك دعنى الآن أذهب!.

- «فهمى»: ولكن سأراك ثانية؟!.

- «حنيفة»: ترانى ثانية؟!!.

- «فهمى»: حتى أشبع منك!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف