المساء
محمد جبريل
من المحرر- حدوتة القصة
علي الرغم من اختلافي مع أرنولد بنيت في رأيه بأن أساس الرواية الجديد هو "خلق الشخصيات. ولا شئ سوي ذلك". فلعلي أتفق تماماً علي ان خلق الشخصيات دعامة اساسية في بناء الرواية. الذي يستند - بالضرورة - الي دعامات أخري. أقواها - أو هذا هو المفروض - "الحدوتة". وان تصور بعض الذين اقتحموا عالم الرواية الجديدة نقاداً أو أدباء - ان الرواية ليست في حاجة إليها. وان ما يستعين به الفنان من أدوات. يضع الحدوتة في مرتبة تالية. أو انه يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً.
في تقديري. ان الحدوتة هي "النطفة" التي يتخلق بها العمل الإبداعي. أذكر حين عرضت - للمرة الأولي في القاهرة - مسرحية بيكيت "لعبة النهاية" ان إعجاب النقاد تركز علي خلوها من الحدوتة. وكان ذلك - في تقديرهم - هو "الجديد في الرواية الجديدة". كانت القاهرة تعاني - كعادتها - غربة حقيقية عن الواقع الثقافي المتجدد في الحياة الأوروبية. وكانت القلة تسافر وتشاهد وتقرأ. والكثرة تنتظر ما يفد متأخراً. وتقف منه - في كل الأحوال -- موقف الإعجاب. ولعلنا نذكر ما فعله الكاتب الراحل أحمد رجب. حين طلب آراء عدد من كبار مثقفينا في مسرحية من تأليفه علي انها لدورينمات. وتباري مثقفونا في ابراز الجوانب المتفوقة في المسرحية المزعومة. وكتب الحكيم ياطالع الشجرة ومصير صرصار تأكيداً لريادته المتطورة.. وظواهر أخري كثيرة.
أقول: حيث عرضت لعبة النهاية. وتركز إعجاب النقاد علي خلوها من الحدوتة. كان لأستاذنا نجيب محفوظ رأي آخر. ونشرت معه حواراً في "المساء" ملخصه ان العمل الفني بلا حكاية. بلا حدوتة. يصعب - مهما يتسم بالجدة - ان يسمي عملا فنياً. لأنه - حينئذ - يفتقد أهم مقوماته. واستطاع - في الحوار - ان يروي الحدوتة. الدعامة التي استند إليها بناء المسرحية.
الحكاية - كما يقول فورستر - هي العمود الفقري. يقول هيربرت جولد: إن كاتب القصة يجب ان تكون له بالفعل قصة يحكيها. فلا يقتصر الأمر علي مجرد نثر جميل يكتبه. وقيل ان الرواية "فن درامي يقوم علي اساس الحدث". ولعلي أذكر قول تشيكوف: إن الكاتب لا يكتب قصة قصيرة إلا عندما يريد التعبير عن فكرة. حتي ألان روب جربيه يؤكد ان الروائي الحقيقي هو الذي يعرف كيف يقص الحكاية. وفي مقدمة ياطالع الشجرة - ذات الشكل السوريالي - كتب الحكيم: "المسرحية لابد ان تحمل معني. ولا يكفي فيها المعني الداخل في ذات تشكيلها. ربما استطاع الشعر - خصوصاً السوريالي والدادي - ان يحمل معني وجوده في ذات صياغته. ولكن المسرحية. وكذلك القصة. لابد ان تقول شيئاً".
الحدوتة إذن هي الدعامة الأولي في بناء اي عمل فني. ثم تأتي بقية الدعامات. وفي مقدمتها محاولة الإفادة من العناصر والمقومات في وسائل الفنون الأخري. كالفلاش باك والتقطيع في السينما. والهارموني في الموسيقا. والتبقيع في الفن التشكيلي. والحوار في المسرحية إلخ. وكما يقول هنري جيمس فإن الفكرة والشكل هما الأبرة والخيط. ولم أسمع بعد - والكلام لهنري جيمس - عن نقابة للخياطين أوصت باستعمال الخيط دون الإبرة.
كانت الحدوتة. الحكاية. الفكرة. التيمة. الحدث - سمها ما شئت - هي الباعث الحقيقي لأن تتحول اعمال إبداعية في أذهان أصحابها - قبل كتابتها بأعوام. إلي أحداث ومواقف وشخصيات. ثم تتخلق في أشكال هلامية عدة. قبل ان تأخذ - في طريقها إلي المطبعة - سماتها النهائية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف