في عام 1980 حسب ما أتذكر شاهدنا في القاهرة فيلما ايطاليا بعنوان "لالونا" ومعناها "القمر" للمخرج الايطالي الشهير برناردو برتولتشي "1940" الفيلم من إنتاج 1979 وبطولة الممثلة الأمريكية جيل لكايبورج "امرأة غير متزوجة" حيث تلعب في ذلك الفيلم دور مغنية أوبرا أمريكية تصاب بصدمة رهيبة عندما تشاهد جثة زوجها الذي لقي حتفه داخل سيارته أمام بيتها في نيويورك.
بعد الحادث الأليم لم يعد ممكنا أن تظل هذه المرأة وابنها يعيشان في نفس المنزل فانتقلا سويا إلي روما.
وفي ايطاليا يدمن الابن مخدر الهيروين ويتورط في علاقات نسائية وتفقد الأم صوتها في حين يكتشف الابن أن الرجل الذي لقي حتفه في السيارة ليس والده. وأن والده الحقيقي مدرس شاب فقير.
قصة الأم والابن لا تحتل بؤرة التركيز وإنما العلاقة الآثمة التي نشأت بينهما هي التي تشكل مصدر الإثارة وتشد الانتباه لأنها تدخل ضمن "زني المحارم".
في عرضه للفيلم يقول الناقد الأمريكي روجر إيبرت إن انتاج الفيلم تأجل مرتين حتي اتخذ المخرج قراره الصائب يجعله ناطقا بالانجليزية بدلا من الايطالية.
ولكن.. لماذا؟
الإجابة تأتي علي لسان المخرج نفسه الذي اعترف في المؤتمر الصحفي أثناء انعقاد مهرجان نيويورك السينمائي الدولي بأنه لم يستطع أن يجسد القصة مع أم ايطالية وابنها الايطالي لأن هذا يعني الاشتباك مع قيم المذهب الكاثوليكي الذي تدين به الشخصيات في الفيلم. وهم في هذه الحالة متهمون بالالحاد والأكثر أن برتولتشي نفسه ابن لناقد سينمائي ايطالي ولابد أنه تعلم منذ نعومة أظافره التعاليم الكاثوليكية ومن غير المحتمل أن يعالج في بدايات مشواره السينمائي مثل هذه العلاقة المحرمة.
إذن ماذا يفعل؟
فعل مثلما فعل المنتج الأمريكي الكبير سام جولدوين الذي واجه منذ سنوات طويلة أزمة مشابهة أثناء قيامه بانتاج فيلم ¢نبع الوحدة Well of lonelness" ثم اكتشف بعد حصوله علي منحة انتاجية من خلال مكتبه في لندن. أن الفيلم يتناول موضوع الشذوذ الجنسي بين فتاتين انجليزيتين وبات من المستحيل أن ينتج الفيلم وقتئذ فقرر بعد تفكير ان يغير جنسية البطلات ويجعلها أمريكيات.
هنا أريد أن أؤكد أن موضوع "زني المحارم" شائك ومرفوض في كل الأديان والمذاهب. وهو من المحرمات وليس من المستحب أن ينتشر عبر الشاشات ويطوع لمجتمعات يحتل الدين فيها مكانة مقدسة وبرغم أن "الدين" نفسه قد جري تطويعه وتم استخدامه سياسيا واقتصاديا وأصبح وسيلة للابتزاز الاجتماعي ولكن ذلك موضوع آخر.
وبرغم ذلك يستطيع أي مهتم أن يضطلع علي مئات العناوين لأفلام سينمائية تناولت هذا الموضوع في أمريكا وأوروبا بل وهنا في مصر حيث بات الموضوع نفسه جاذبا لفئة من صناع الأفلام بحجة انه من الموضوعات المسكوت عنها وأن العلاقات المحرمة ومنها زني المحارم منتشرة في العائلات المصرية وتستحق أن ننزع عنها الغطاء الساتر لفضحها.
ووراء "بارافان" الحرية يحتمي قلة من السينمائيين بزعم حماية الإبداع ومن ثم يتم كسر التابوهات التي تهدم القيم الأخلاقية والأسرية ليس بدافع الكشف عنها والتطهر منها وتحرير المجتمع من آفات النفاق الاجتماعي والادعاءات المظهرية والتدين الشكلي. وإنما بدوافع الكسب وتحقيق عوائد مادية كبيرة للمنتمين لهذه الفئة التي تتعامل مع الفيلم السينمائي باعتباره سلعة تجارية يستهلكها ملايين وليس منتجا ثقافيا ولا باعتباره وسيطا فنيا يسمو بروح الجمهور ويثري وعيه ويمتعه بحكايات مبهجة ومسلية من دون إسفاف أو ابتذال يصل في بعض الأفلام إلي مستويات يصعب قبولها.
ومن المفارقة أن المرأة المخرجة والمرأة الممثلة أو المؤلفة هم من يتقدمون الطابور في هذا التيار ويمدونه بأسباب النجاح علي الصعيد التجاري.. وهناك من المخرجين من استهانوا بالرقابة وتحايلوا عليها وطالبوا بإلغائها حرصا وحماية "للإبداع" دون الاتفاق أولا علي ما هية "الإبداع" الذي نطالب بالدفاع عنه.
أصبح "الجسد" تحت ظلال حماية الإبداع موضوعا محببا في التيار الرئيسي السائد في دور العرض وأصبح "الزني" موجودا بتنويعات مختلفة وتوارت في الخلفية قضايا مهمة تؤرق المجتمع مثلما اختفت هموم الناس وطموحاتهم الفعلية بعيدا عن الإشباع الجنسي ولم يعد الموضوع الرومانسي. والقصص العاطفية في المجتمع المأزوم اقتصاديا موضوعا يستحق أن تعالجه السينما والدراما التليفزيونية باهتمام وأصبح التركيز علي العلاقات الجنسية والمخدرات والفساد الأخلاقي الذي يفتح الباب لتجارة الجنس واستخدام طرق البلطجة وخلق صور جديدة ومبتكرة لاشكال العنف وأساليب ممارسته ولغته البذيئة.
والمفارقة الأكثر إثارة للصدمة ذلك الايغال في مظاهر السقوط الأخلاقي بأشكاله التي تطول الكثير من النشاطات الانسانية أمام التطرف في تكريس المظاهر الدينية بالصوت الجهوري في دور العبادة. وفي الشارع من خلال المظاهر المخادعة في الملبس والسلوك العملي.