يقف الإنسان عاجزا وذاهلا، لا يملك حولا ولا قوة، فى حضرة الموت، وغالبا ما يسيطر عليه شعور بالوهن الكامل، أمام هول صدمته وفداحة فجيعته، خاصة عندما يضاعف «الموت» من قساوته، ويختار أن ينشب بلا رحمة مخالبه الحادة فى قلوبنا، ويتركها تنزف ألما وحزنا، وتكابد حسرة الفراق وفقد الرفاق والأحباء، الذين اعتقدنا أنهم مازالوا صغارا، وأن خطواتهم مازالت بعيدة عن المشيب والغياب.
دون مقدمات أو تمهيدات، انضم الصديق هشام يونس، أحد حراس أمن «الأهرام» وسلامتها، إلى ذلك النوع من البشر، الذين يشبهون إلى حد كبير، أسراب الطيور الصغيرة الأليفة، قصيرة العمر والأيام، التى تعيش على الأرض فى عجلة من أمرها، للعودة سريعا إلى السماء، تحلق فى فضاءات الرحمن الرحبة، بعد أن تكون قد «تغلغلت» فى أرواحنا، واستحوذت على مساحة كبيرة من قلوبنا، نصبت فيها رايات محبتها وسلامتها ووداعتها وإخلاصها وأشواقها، وبعد أن تصيغ من حياتها القصيرة، جملة إنسانية مكتملة الأركان والمعانى فى وجود من حولهم.
دائما كنت أراه مثل طائر إنسانى جميل، يحلق بأجنحة من الرجولة والشهامة والمروءة والكرم، وعلى استعداد «فوري» لمد يد العون والمساندة للآخرين، مؤديا عمله بإخلاص وتفان، جاعلا من «ركنه» الصغير، نقطة تلاق للجميع: محبة وتواصلا وتفاعلا وتقديرا.
قبل أن يرحل بيومين، أصر على أن يمارس كرمه المعتاد، عندما سألته عن طعام، فأسرع وأحضر طعامه، منثورا عليه ابتسامته، ونظرات عينيه الطيبة الداعية بالهناء والصحة، وكأنه كان «يترحم» بنفسه على حياته القصيرة، قبل أن يفارقنا إلى الأبد.
ترحل طيور البشر الجميلة الوديعة المسالمة، بعد أعمارها القصيرة، دون أن تدرك، وهى فى عجلة من أعمارها، إن موتها مؤلم وصعب جدا، لأنه بمنزلةط خروج روح من روح: أرواحهم من أرواحنا. سلاما عليك يا صديقي.
> فى الختام.. يقول الشاعر الكبير الراحل محمود درويش:
«ولم نزل نحيا كأن الموت يخطئنا».