الانصات نقطة الضعف القاتلة لدى المجتمعات في أزمنة الفوضى والحرب.. في مطلع السبعينيات كانت المسألة الوطنية هي القضية الأولى على جدول الأعمال بعد أن أدى اغلاق المضايق "ثيران وصنافير" الى اندلاع الحرب، ثم الى هزيمة يونيو 67 وهو ما شكل أزمة للنظام وانهيار مشروعه وقتها..
ليصبح الرئيس السادات لاحقا هو المسئول الأول عن استرداد الأرض والكرامة الوطنية.. وطوال تلك الاعوام التى تلت الاحتلال وحتى قيام حرب التحرير في 73 شهدت الأمة المصرية هجمة تشكيك في وطنية وقدرات الرئيس السادات ، ليس فقط من الخصوم والأعداء ولكن من الاصدقاء والحلفاء، والأهم من ذلك جميعاً من الجبهة الداخلية التى تحولت لتصبح العدو الأول لقيادتها السياسية .. ولأن التأزم كان يلف الأجواء، فقد كانت مسألة صغيرة كافية تماماً لإشعال ألحريق .. ففي خطابه في 13 يناير 1972 برر السادات عجزه عن الوفاء بوعده في جعل عام 1971 عام الحسم مع إسرائيل باندلاع الحرب الهندية الباكستانية ، وادعى أن العالم ليس فيه متسع لاندلاع حربين كبيرتين في آن واحد ، وأن الحليف السوفيتي كانت تشغله الحرب الهندية الباكستانية للحد الذي لا يستطيع فيه تقديم مساعدة لمصر ، وأن هذه الحالة كالضباب الذي يعيق القدرة على التحرك .. فاندلعت مظاهرات الطلاب في ارجاء البلاد وعلت صيحات السخرية وأطلقت النكات والمسميات فيما عرف بعام الضباب .. حقيقة الأمر أن خطة الخداع الاستراتيجية كانت تقتضي الحديث والتصرف بهذا المنهج من الرئيس الراحل وإلا ما كان لنا اليوم أن نتحدث عن سيناء أو المضايق "ثيران وصنافير" من جديد وربما سيناء بأكملها لولا الثبات الانفعالى الذى مارسه الرئيس السادات بقوة لا مثيل لها ، وصنع من نفسه أضحوكة للعالم حتى يثأر للكرامة الوطنية من هزيمة 67.
وللمصادفة التاريخية أن مشهد انتفاضة طلبة جامعة القاهرة في السبعينات كنت شاهداً عليه من ضاحية المنيل القريبة ، وبالأمس تكرر المشهد أمامى مجدداً في رحاب نقابة الصحفيين .. وفي تقديري أننا لم نتعلم الدرس الذى تركه لنا الرئيس السادات لذلك نكرر أخطائنا من جديد ، رغم أن البطل واحد في الموقفين وهو "ثيران وصنافير" وأرض المعركة الدائرة هى نفسها سيناء ولكن بأشكال ووجوه أخرى ربما تخفي ورائها نفس العدو المعتدى ولكن بأسماء عربية.
الفارق الوحيد أن مصر لم تعد بمفردها على خط المواجهة فقد انضمت اليها السعودية بعد غياب سوريا ، ومن لم يقرأ في خفايا ملف "الجزيرتين" اعلان بالتحالف الاستراتيجي بين الرياض والقاهرة وتأميم للبحر الأحمر بضفتيه فليصمت الى أن تنتهى الحرب ويرى الصورة كاملة .. هكذا قرأت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى الى التزام الصمت في مسألة الحدود البحرية مع السعودية ، لأن الفتى بلا علم عسكري هو استدراج لفتح ملفات وكشف لأوراق اللعب في زمن استباحت فيه شبكات التواصل الاجتماعى أدق تفاصيل الأمن القومى لكل المجتمعات.
الملف غاية في التعقيد والأفضل أن نثق في مؤسسات الرئاسة والقوات المسلحة والأمن القومى وأن ترك لهم ادارة الملف ، ويكفي أن ندرك أنه لا صفقات لبيع الأرض أو الوطن ولو كانت الظنون صحيحة لكان قد تم بيعنا جميعا منذ زمن لجماعة الاخوان أو لرئيسهم.
أحذروا الدعوات الدائرة تحت شعارات "تراب الوطن والسيادة الوطنية والزعامة الاقليمية والأدوار المصطنعة" فهى في حقيقة الأمر ستار يخفي من ورائها مفجر زمنى جاهز للإشعال مع اقتراب المعركة الحقيقية عندما يفشل العدو في مساعيه للتفجير عن بعد ويصبح لا مفر أمامه من الاشتباك وجهاً لوجه.