الوطن
د. محمود خليل
السبيل (19)
كلمة «الغزاة» كانت أكثر كلمة تتردد على لسان عجوز السبيل، كلما أتاه غرباء. يحفظ أشكال أهل الحى جيداً، تثير الوجوه الغريبة أعصابه، ما إن يبصر أحدهم حتى يصرخ صرخته الشهيرة قائلاً:

- عجوز السبيل: الغزاة!.. الغزاة قادمون!.. الليل موعدهم!.

- مختار (لأمل): إنه العجوز حارس السبيل كما يناديه الناس.

- أمل (ضاحكة): حارس؟!.. هذا خيال مآتة!.

- مختار: إنه ليس فتوة يا أمل!.. إنه حارس لتاريخ السبيل. ذاكرته من حديد، وإن كان عظمة نخرة!.. يحفظ كل الأحداث التى عاشها. ويحفظ غيرها من حكايات الأجداد الكثير.. مستودع ذكريات. رغم تخاريفه العديدة فى أحيان، فإننى دائماً ما أحن إلى الاستماع إليه!.. شىء غريب يربطنا جميعاً به. أهل السبيل جميعاً يحفظون قصصه. وهو لا يمل من الرواية. جالس على بوابة السبيل فى انتظار الفارس أحمد الذى سيعود ليملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلئت جوراً. رغم أن التاريخ يحكى أن أحمد بن طولون كان طاغية كغيره من الحكام!.

- أمل: واضح أنك متأثر به جداً!.

- مختار: كلنا فى السبيل نؤثر فى بعضنا البعض، ونتأثر ببعضنا البعض. القرب يا أمل يعنى التأثير والتأثر. الناس هنا تشبه بعضها كثيراً، حتى من يأتى السبيل غريباً مختلفاً فى شكله وملامحه يأخذ بمرور الوقت شكل وملامح أهله. من يعيش هنا يذوب فى المكان!. يعيش بالقرب من الآخر بدرجة تصل إلى حد الالتصاق!.. الكل هنا أشباه.

- أمل: أعتقد يا مختار أنك تصف حلمك فى السبيل وليس واقعه. الناس هنا غير متشابهة، وإن كان هناك تشابه فهو سطحى جداً. صدقنى الناس هنا تمارس الحياة بشكل مختلف.. انظر كيف يسير الشاب الملتحى، ثم انظر كيف يسير الشباب الآخر. انظر كيف يسير العمال وكيف يسير الموظفون؟.. إنهم مختلفون. ربما كانت نظرتهم إلىَّ هى الشىء الوحيد الذى يجمعهم.. تصور!.

- مختار (بتعجب): نظرتهم إليك؟! كيف؟!.

- أمل: إنهم ينظرون إلىَّ جميعاً برغبة!.. حتى الشباب الملتحى المتدين، أشعر أنهم ينظرون إلىَّ برغبة!.. وهى رغبة لا تدل على دناءة وإنما مردها الحرمان. إن بعض الشباب من أصدقائى قد ينظرون إلىَّ نظرة دناءة. إننى أعرف تلك النظرة فى عيونهم جيداً. أما الناس هنا فنظرتهم حرمان!.

- مختار: أى حرمان تقصدين؟!.

- أمل: الحرمان بمعناه العام!.. الناس هنا يتشابهون فى الحرمان، وما عدا ذلك فهم مختلفون إلى درجة قد تصل إلى حد التنافر.

- مختار: لا!.. إنك لا تعرفينهم جيداً!.. لا تعرفينهم كما أعرفهم!.. الناس هنا أشباه!.

- أمل: صدقنى يا مختار!.. عشرتك لهم ليست شرطاً!.. القرب أحياناً ما يكون حجاباً. وعموماً المسألة وجهات نظر.

- مختار: لا!.. إننى مصرّ على أنك لا تعرفينهم جيداً!.

- أمل (بدلال): موافقة يا سى مختار لا أعرفهم!.. لا تنرفز نفسك!.. الأمر لا يستأهل. هل تسمع الضوضاء الصادرة من هناك!.. ما الأمر؟!.

- مختار: إن هناك فرحاً إسلامياً!.. أحد الإخوة سيعقد قرانه اليوم فى زاوية السبيل!.

- أمل (بدهشة ممزوجة بالفضول): فرح إسلامى؟!.. هيا نتفرج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف