المساء
خيرية البشلاوى
رنات- نــــــوّارة وفاطمـــــة
أتوقف أمام نقاط تماس في فيلم "نوّارة" للمخرجة هالة خليل وفيلم "حرام الجسد" لمخرجه ومؤلفه خالد الحجر المخرجان اختارا توقيت الثورة "يناير 2011" زمناً لأحداث الفيلم من دون أن يكون لهذه الأحداث علاقة عضوية مباشرة أو غير مباشرة بالشخصية المحورية الرئيسية "نوارة" في الأول. و"فاطمة" في الفيلم الثاني.
"الثورة" في العملين أختزلت في الأخبار المذاعة عبر الراديو والتليفزيون. ولم تحتل مشاهدها الحاشدة أي مساحة في الأحداث. أي انها شكلت مجرد خلفية باهتة لا تحتمل الرؤية القاتمة لمؤلفة "نوارة".
¼ الشخصيتان المحوريتان "نوارة" و"فاطمة" خادمتان من الطبقات الدنيا المعُدمة مادياً إحداهما تخدم في المدينة والثانية في الريف.. الأولي لدي أسرة بورجوازية ثرية تسكن في أحد المنتجعات الجديدة المُسورة والمغلقة علي سكانها ببوابات حديد والثانية في مزرعة معزولة أيضاً ببوابة حديد ولا تنتمي للريف المصري أعني للقري المصرية الأصيلة..
السيد في المزرعة و"السيد" في الفيلا "مراد. وأسامة" الاثنان من الفلول وثراؤهما ليس فوق مستوي الشبهات.
والسيدتان "شاهندة" "شيرين" في فيلم "نوارة" و"مني" "سلوي محمد علي" في "حرام الجسد" تنتميان نفسياً واجتماعياً وسياسياً إلي نظام ما قبل الثورة حيث التميز والاحساس الطبقي الحاد وكل واحدة من الاثنتين تسعي إلي الهروب خوفاً من تداعيات الثورة. والاثنتان تتطلعان إلي الهروب غرباً. والأولي "شاهندة" تنجح بالفعل في "الخروج" بأسرتها بينما الثانية تحاول وماتزال.
الاثنتان "شاهندة. ومني" حريصتان أشد الحرص علي تأمين الثورة حيث تطلب.. "مني" من زوجها مراد أن يكتب الأرض باسمها بينما تعهد "شاهندة" لــ "نوارة" والغفير "أحمد راتب" بحراسة الفيلا وصيانة السيارات الخاصة وتتصل من آن لآخر للاطمئنان عليها.
اختلاف الشكل والسلوك الظاهري بين السيدين "أسامة" "محمود حميدة" ومراد "زكي فطين عبدالوهاب" لا يمنع من ملاحظة التشابه الكبير بينهما في الموقف من الثورة عملياً ونفسياً.
والخادمتان محور العملين "نوارة. وفاطمة" رغم اختلاف البيئة "ريف ـــ وحضر" تتشابهان في كونهما لا تدريان شيئاً عن "الثورة" ولا عن جوهر الحراك الشعبي الحاصل والمشحون بالتوقعات. ومن ثم لم تشاركا فيها. ربما سمعت "نوارة" عنها وفرحت بتنحي مبارك وتوقعت مثل الآلاف أن يكون لها نصيب في ثروته المهربة والمعني في العملية ان الطبقات الدنيا المهمشة كانت بعيدة عن المشاركة في أحداث الثورة والمعني قاصر بالتأكيد..
المرأتان "نوارة" و"فاطمة" محبطتان جنسياً ويائستان من حياة عائلية سوية. وعلاقة كل منهما "بالرجل" مضطربة عاطفياً وحسياً ولحظات النشوة المشروعة والحرام مُغتصبة ومسروقة. والمخرجان في العملية يقدمان ممثلين جديدين لأداء دور "الذكر" المتربص بأنثاه لأسباب وان بدت مختلفة إلا أن الدوافع واحدة.. والرجلان يحملان بالمصادفة اسم "علي" "لعبا دورهما أمير صلاح وأحمد عبدالله محمود".
الأجيال الجديدة في العملين تتعاطف مع الثورة وتسعي للاشتراك فيها ضد رغبة الوالدين لكن كانت أدوارهم قاصرة ومحدودة للغاية الابنة "خديجة" "رحمة حسن لعبت دور الابنة المتعاطفة في نوارة" وفي "حرام الجسد" يقوم الابن "أمجد" "أحمد العدوي" والابنة "حنان" "وئام مجدي" بمساندة الثورة نظرياً ويحاولان الانضمام اليها في غفلة من "الأب" و"الأم".
والفيلمان يتفقان في موقفهما الأخير علي المساحة الهامشية المحدودة جداً التي تحتلها "الثورة" في عملية التغيير الاجتماعي وهو موقف متعجل جداً ويتسم بعدم النضج لأن الأحداث داخل الفيلمين تتم في الأيام أو الشهور الأولي ومن المستحيل أن يتحقق أي فعل للأمام وأي قدر من التوقعات المرجوة علي الصعيد الاجتماعي.
الفيلمان وضعا نهاية كئيبة جداً ومأساوية لكل من البطلتين "نوارة" التي أُقتيدت بقسوة شديدة إلي قسم البوليس متهمة بالسرقة. و"فاطمة" التي ماتت غرقاً هي وعشيقها الذي تزوجها بعد أن تخلص من زوجها.. تاركة خلفها "ابن حرام" يقوم بتربيته السيد "مراد" الفاسد.. الأمر الذي يعني الدوران في حلقة شيطانية تقود إلي الجحيم!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف