عباس الطرابيلى
هموم مصرية- شقق استفزازية.. لمن؟
صدق أولا تصدق: فى القاهرة الآن شقة ثمنها حوالى 7 ملايين جنيه، على كورنيش النيل.. والشقة مساحتها 420 متراً، بينما يحلم كل شاب مصرى بشقة ولو كانت مساحتها 60 متراً.. وهى كاملة الفرش والأثاث.. أرضيات كلها رخام مستورد.. والحمامات كلها رخام مع أحدث خامات الديكور.
وهذه الشقق الاستفزازية ليست وحدها.. إذ هناك شقق معروضة للبيع - نصف تشطيب - ويبدأ سعر المتر فيها بحوالى 2800 جنيه بمساحات من 130 متراً وحتى 155 متراً، أى ليست شققاً كبيرة المساحة.. وليست فى وسط البلد، أو على نيل القاهرة، بل فى عمق الصحراء، فى مدينة 6 أكتوبر.
<< ولمن لا يعلم، فى مصر الآن تتسابق شركات البناء على تقديم الكثير من الشقق بمساحات من 220 متراً إلى 250 متراً.. وهى أيضاً نصف تشطيب وسعر المتر يقفز إلى 5000 و6000 جنيه.. نقول ذلك لأن التشطيب يتكلف حوالى 40٪ من الثمن الكلى للشقة.. يعنى شقة 100 متر فقط يمكن أن يصل ثمنها إلى نصف مليون جنيه.. فماذا يكون ثمنها لو كانت بمساحة 200 متر، يعنى: مليون جنيه.
وهذه الشقق تجد من يشتريها، بل ويجرى وراءها.. ولا نتحدث عن شقق التجمع الخامس.. أو الكومباوندات التى تحرسها شركات الأمن الخاصة.. وتحميها الأسوار والإجراءات.. ولكننا نتحدث عن عمارات بعضها فى عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون.
<< أما شقق العجوزة والمهندسين وبعضها أقيمت من الخمسينيات فإن أقل شقة فيهما تصل إلى 750 ألف جنيه.. رغم أن مساحتها تدور حول 150 متراً.. ورغم أنها فقدت نصف عمرها الافتراضى، إلا أنها مرغوبة، لقربها من وسط المحروسة.
وإذا كانت قد انتشرت فى كل مدن مصر الشقق نصف التشطيب.. فإن هناك أيضاً الكثير من الشقق فى عمارات بلا أى محارة خارجية.. ولمن لا يعلم فإن من يبيعها يعلم أن توفير محارة ثلاثة طوابق يبنى دوراً كاملاً لأن المحارة تتكلف حوالى ثلث التكاليف.. رغم أن «المحارة» هى التى توفر للعقار كله قوة ذاتية.. فالمحارة مثل اللحم والجلد المحيط بعظام الإنسان، ولكن لأن بناء المساكن أصبح من أكثر وسائل الربح الآن فإن كثيراً من المقاولين يلجأون إلى عدم استكمال المحارة للعمارة كلها.. واللى عايز.. يدفع!!
<< ونحن فعلا لا نرفض قيام القطاع الخاص ببناء مثل هذه الشقق لمن يطلبها.. إلا أن أسعارها جعلت الحكومة تقوم ببناء مساكن بأسعار تقترب من الأسعار القطاع الخاص رغم مساحتها الصغيرة.. وهى مساكن يعجز أى خريج حديث على تدبير مقدمها أو سداد قسطها الشهرى حتى ولو كان على 25 سنة.
هنا نتحدث عن دور الإسكان الشعبى.. والدور الاجتماعى للدولة فى توفير هذه النوعية من المساكن الشعبية بأسعار مقبولة.. رغم مساحتها المتواضعة.
<< وإذا كنا لا نرفض الشقق الاستفزازية، فإننا نتساءل عن الدور الاجتماعى الذى يجب أن تتولاه الحكومة.
فالحكومة هنا تحاول الوفاء بحق البسطاء فى الحصول على مساكن معقولة المساحة.. مقبولة الأسعار ولكن أين؟. ليست بالقطع على حواف المدن!!