نشوى الحوفى
رسائل «مصر» التى أضاعها الإعلام
طرحت الأيام الماضية مشاهد عميقة لمن يتأمل فيها لو رتبها بجوار بعضها البعض ليدرك ودون مجهود، إن نحى هوى الذات، حالة إعلامية خاصة فى بلادى شعارها لا صوت يعلو على صوت المذيع، ولا حقيقة غير التى يقولها، ولا أحداث غير ما يعرضه، ولا تحليل غير ما يراه. هو الدولة المالكة للرؤية الشاملة والحقيقة الكاملة، وويل لمن يخالف الرأى، سيدحض بلا نقاش ويشتم بلا هوادة ويتهم بالخيانة والنفاق والبيع فوراً.
نعم هكذا فعلت نسبة لا يستهان بها من ممارسى الإعلام من الذين غيّبوا فكر الشباب الذى لم يرَ منهم وثيقة ولا مكاتبة رسمية تكذّب فكر الدولة فى مسألة الجزيرتين، فصار يتحدث عن مصطلحات لا وجود لها فى كتب القانون الدولى وفضّ المنازعات بين الدول إلى الحد الذى قال لى فيه أحد الشباب العشرينى المغيب: «لا يهم ملكية الوثائق يمكننا أخذ الجزيرتين وضع يد!!!!»، نعم سيطر الإعلام حتى ظن كل منهم أنه الأفهم والأعلم والأقدر على الرؤية والتنظير ما دام يمتلك ميكرفوناً وكاميرا تنقل طلعته البهية وصوته الأجش. وهكذا لم يلتفت إلى نواح هامة فى زيارة الملك سلمان لمصر فى هذا التوقيت. فبعيداً عما تم الاتفاق عليه من استثمارات سيتم ضخها فى مصر وقد تجاوزت مليارات، تجاهل أباطرة القنوات الرسائل التى دعمتها الزيارة للعاصمة المصرية. تجاهلوا ما قامت به مصر من تفويت الفرصة على أمريكا باللعب فى قضية الجزيرتين شرقاً وجنوباً. تجاهلوا رسالة مصر للعالم بأنها ليست وحيدة بل فى رباط بالعالم العربى وعلى رأسه المملكة السعودية. تجاهلوا رسالة مصر فى سعيها لفك حصار سياسى واقتصادى فى ظل ما يمارَس ضدها. تجاهلوا رسالة أن مصر صامدة رغم حوادث أثّرت على علاقتها بروسيا بعد حادث الطائرة وإيطاليا بعد حادثة ريجينى انتهاءً بالمملكة بعد إعلان بدء ترسيم الحدود البحرية معها. تجاهلوا رسالة مصر أنها مستمرة فى سعيها دون إذعان لقرارات تُفرض عليها ولا إرهاب يحيط بها. نعم ضاعت رسائل مصر على الداخل فى ظل هذا الإعلام ولكنها واصلت بإصرار طرح رسائلها التى وصلت للخارج، وأتمنى أن يكون قد وعاها، فاستقبلت بعد أيام رئيس دولة توجو الأفريقية ثم استقبلت وفد رجال الأعمال الألمان، وأخيراً استقبلت أمس الرئيس الفرنسى والوفد الاقتصادى المرافق له.
وفى ظل انشغاله بحالة الصياح الأنوى المتفجّر لم يلتفت بأخبار كان عليه تنوير بصيرة الناس بها لفهم أبعاد الموقف. ففى اليوم التالى لانتهاء زيارة الملك سلمان بثت «بى بى سى» خبراً عن تخفيض مؤسسة «فيتش» تصنيف المملكة الائتمانى من «AA» إلى «-AA» بدعوى انخفاض سعر البترول رغم أن هذا السعر منخفض منذ بدايات 2015. ثم بثت خبراً آخر عن مطالبة بريطانيا لمصر بالشفافية فى تحقيقات مقتل الإيطالى ريجينى ليكون السؤال: وما علاقة بريطانيا بقضية ريجينى؟ بينما هى تجرى استفتاء حول استمرارها فى الاتحاد الأوروبى، ثم بدأت صيحات جمعة الأرض التى شهدت عودة نعيق وجوه قبيحة ما شاهدنا لها إنجازاً واحداً لمصر كيوسف القرضاوى وجمال عيد وشادى الغزالى حرب وطارق الزمر ومرتزقى 6 أبريل، وكلهم أجمعوا على أن المظاهرات استعادة لروح يناير، وكم من مدّع ومتمسح وتاجر لوث 25 يناير. كل هذا بينما تصرح أمريكا بخبرين، أولهما أن ليبيا غرب مصر بات فيها 250 ألف إرهابى من داعش، وأنها تراقب ما يحدث فى مصر بعناية!!!
وهكذا أغفل الإعلام توضيح الصورة الكاملة وعرض ما أراد على المصريين بجبروت المستخف بقومه فأطاعه البعض فى التغييب وخرج ليعيد مشهداً قال عنه الإخوان إنه نصر لهم..