أهل السبيل تحولوا إلى مجموعة من الجزر المنعزلة، كل فريق منهم يقبع فوق إحداها، يمارس حياته بطريقته الخاصة، ويبصرها من منظوره الخاص، لكنه لا ينظر إلى الآخر كجار، كما كانت العادة فيما سبق. جديد جد على الحياة، فأصبح «كل حزب بما لديهم فرحون»، كل حزب يكتم غيظاً وتوتراً من الحزب الآخر، والكل يقف فى انتظار الشرارة. تسكعت هذه الخواطر فى رأس أمل وهى تتسكع فى شوارع السبيل، لتقف متفرجة على الفرح الإسلامى:
- على: كل شىء جاهز يا أخ طارق. وصلت صوانى الطعام.
- طارق: ثريد؟!.
- على: نعم!.. سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- مصطفى: إياك أن تكون قد أحضرت ملاعق يا أخ على.. فالسنة أن نأكل بأيدينا!.
- على: مؤكد يا أخ مصطفى!.. ليس هناك ملاعق.. ساعدونى الآن فى رص الصوانى حتى ينتهى الإخوة من الطعام، لنقوم بمسيرة إشهار الزواج فى السبيل، حتى يتعلم أهله كيف يكون الفرح فى الإسلام.. لقد حضر الإخوة الذين يضربون على الدف. والأخ عمار المنشد جاهز.
تبدأ المجموعة فى الخروج من الزاوية بعد الانتهاء من الطعام. يقفون منظمين فى عدة صفوف. تتشابك أيديهم حتى لا يتم اختراق الصف من الأهالى. يتلو طارق من خلال ميكروفون محمول بضعاً من الآيات القرآنية، ثم يسلم الميكروفون إلى الأخ عمار المنشد.
- عمار: أيها الإخوة معاً سننشد نشيد الكتائب!.. هيا:
يا رسول الله هل يرضيك أنا
إخوة فى الله للإسلام قمنا
ننفض اليوم غبار النوم عنا
لا نهاب الموت لا بل نتمنى
أن يرانا الله فى ساح الفداء
- مصطفى (إلى مختار الذى يقف إلى جوار أمل): نفحة العرس يا أستاذ مختار!.
- أمل: ماذا أعطوك؟!
- مختار: بضع تمرات!.
- أمل: تمرات؟!
- مختار: نعم!.. أكل التمر سنة.
- أمل: مشهد غريب هذا الذى رأيته. فرح إسلامى. قرآن وخطب وأناشيد وضرب بالدفوف وتوزيع نفحات!.. ما هذا؟!.. إنه مشهد أراه لأول مرة فى حياتى!.
- مختار: شباب الزاوية يحاولون أسلمة الحياة بجميع مظاهرها. وأهمها بالطبع طقوس الزواج!.
- أمل: لست أفهم ما معنى كلمة أسلمة؟!. وهل من يحتفل بالزواج بغير هذه الطريقة ليس مسلماً؟!.
- مختار: لا! ليست المسألة هكذا!.. أعتقد أنهم يحاولون الحياة فى الحاضر بصور الماضى. الحنين إلى الماضى يحتل عقلهم ووجدانهم!. المسألة حنين!.
- أمل: لكننى ألاحظ أن هؤلاء الشباب يحتلون مساحة كبيرة من أرض السبيل؟!.
- مختار: المسألة ليست بهذه الصورة. انظرى هناك!.
- أمل: أها!.. أرى زينة وموسيقى صاخبة وراقصات. إنه فرح أليس كذلك؟!.
- مختار: بلى!.. هو كذلك؟!.
- أمل: آه!.. هل صدقت يا مختار!.. انظر كيف يتنافر الناس هنا. إن شباب الزاوية ينظرون إلى الذين يحتفلون بأفراحهم بهذه الطريقة بحنق ونفور. وكذلك ينظر الآخرون إلى شباب الزاوية بنفس الدرجة من الحنق والنفور. كل فريق فى وادٍ. وبين الواديين نهر عميق يحتاج إلى كوبرى يصل بينهما!.
- مختار: لا!.. المسألة ليست كما تصورين أو تتصورين!.
- أمل: إنهم يا مختار متصالحون على السطح فقط، ولكنهم فى العمق مختلفون!.. غاضبون!.. كل فريق غاضب على الآخر!.. أحياناً أشعر بأنه من الممكن أن يشتبك أصحاب عرس الزاوية مع أصحاب عرس الشارع فى معركة دامية يخرج الجميع منها خاسرين. فالقوة متكافئة. ودرجة إيمان كل فريق متكافئة مع الفريق الآخر. وقتها سيتحول هذا الشارع الجميل إلى جحيم!.