أبو الفتوح قلقيلة
خونة.. يهتفون الأرض دي مصرية
مصر- دنشواى 1906
يخرج جنود الاحتلال الإنجليزى للتسلية وصيد الحمام في قرية دنشواى بالمنوفية فيصيبون رجلا ويقتلون زوجة شقيقه ويهرب بقية الجنود تاركين أحدهم مطاردًا من الفلاحين العزل، تصيبه ضربة شمس فيموت على إثرها تاركا ثأرا إنجليزيا لدى المصريين يتكفل مصريون خونة بتحقيقة !
يأمر اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى صبيانه من الحكومة المصرية الخائنة بعقد محاكمة شكلية للتنكيل بالفلاحين المصريين انتقامًا لجثمان الجندى النافق، يرأس الادعاء العام، وكيل النيابة بلغتنا المعاصرة، إبراهيم الهلباوى والذي اجتهد كثيرا ليقنع محكمة صورية لم تكن في حاجة لجهوده التطوعية الفاسدة في إدانة أبناء وطنه، عقدت المحكمة برئاسة بطرس غالى، جد بطرس غالى وزير مالية مبارك السابق، وأحمد فتحى زغلول، الشقيق الأصغر للزعيم سعد زغلول والذي تبرأ منه لاحقًا.
تمت محاكمة 92 مصريًا على يد قضاة مصريين فداءً لقاتل وضيع.. كنه إنجليزى! تنوعت الأحكام بين جلد وحبس وسجن مؤبد وإعدام !
ثار الشرفاء من المصريين وأشعل الزعيم مصطفى كامل روح الانتماء عند المصريين داخليًا، ثم خرج ليندد بالقضية في فرنسا ودول أوروبا فأدى ذلك لخلع اللورد كرومر وتم اغتيال بطرس غالى على يد إبراهيم الوردانى.
المثير للسخرية أن إبراهيم الهلباوى حاول بعدها التوبة عما اقترفه في حق المصريين الذين أساء لهم جميعًا وطلب المغفرة من الله ومن الشعب لدرجة أنه تطوع للدفاع عن إبراهيم الوردانى قاتل القاضي بطرس غالى.. لكن ذلك لم يشفع له وعاش ومات منبوذًا من كل شرفاء مصر إلا أن نقابة المحامين في أواخر التسعينيات من القرن الماضى قامت بتكريم اسمه كعلم من أعلام القضاء والمحاماة !
مصر-تيران 2016
يخرج الآلاف من المصريين، يرفضون التفرط في بقعة مصرية ارتوت بدماء جنود مصر البواسل، يهتفون عيش، حرية، الجزر دى مصرية !
تبدل الهتاف من كرامة إنسانية لــ (الجزر دى مصرية) معادل عبقرى للكرامة المصرية والوطنية.. لم يتناسوا مطلبهم العادل من العيش والحرية والذي كان شعار ثورة يناير المجهضة، لكنهم ربطوا بين الكرامة الإنسانية والتمسك بالأرض العرض والشرف والكرامة، أجهضت الثورة لكن الحلم لم يجهض بعد وللثورة بقية!
التهمة حب الوطن !
يتم القبض على العشرات في تظاهرات جمعة (الأرض هي العرض)، تخلى النيابة سبيلهم جميعًا، يبتهج المصريون لسيادة الروح الوطنية فوق القانون وفوق القمع وفوق كل الأغلال.. لكن تحتجز النيابة البعض بعدما صدر قرار بإخلاء سبيلهم ! هل ستكون تهمتهم أنهم مصريون أكثر من اللازم وأنهم يسعون للحفاظ على أرض مصر ويرفضون قرارًا غير دستوري وغير قانوني خول لمن لا يملك منح الغير أرض الوطن !
هل ستكون تهمتهم هي الوطنية والسعى وراء الحفاظ على حدود الوطن وصيانتها من المتربصين من أعدائنا؟ هل ستكون تهمتهم هي محاولة الحفاظ على قناة السويس مصدر مصر الوحيد حاليًا من العملة الصعبة؟ هل ستكون تهمتهم هي تعريض أنفسهم للسجن أو للقتل فداءً لتراب مصر ونيابة عن كل لائذ بمنزله متلذذ باستكانته بل بجبنه ؟
هل سيشهد الضباط ضدهم قائلين: ضبطانهم يا أفندم وهم متلبسين بالهتاف المحرم (الأرض دى مصرية).. دول خونة يا أفندم !
هل سيقتنع من يأمر بحبسهم أو بمحاكمتهم بأن هؤلاء الشباب يستحقون السجن وتقييد الحرية لأنهم حاولوا الحفاظ على حرية المصريين جميعًا، هل ستضيق بهم أرض مصر لأنهم خرجوا حفاظًا عليها! بأى تهمة ستحاكمونهم ومن يستحق المحاكمة هم أم كل من تقاعس ولم يخرج مطالبًا بالحفاظ على أرضه أم الحكومة التي خالفت الدستور المصرى؟ يبدو أننا لم نتجاوز دنشواى 1906!