التحرير
أحمد بان
عن أهل الخير والشر فى مصر
كثيرًا ما يردد الرئيس السيسى فى أحاديثه المثيرة للجدل، عبارة أهل الشر، فى إشارة إلى أعداء مصر فى الداخل، سواء الإخوان المسلمون بكل فصائلهم أو جماعات العنف الأخرى، التى تنشط منذ خروج محمد مرسى من الحكم فى تهديد الدولة ومؤسساتها ومحاولة هدمها، تلك الفئة المحدودة اتسعت كما يلمح الرئيس فى أحاديثه لتضم كل من يعارض الرئيس فى سياساته أو قراراته أو يحاول الاستدراك عليه فى رؤية أو قرار.

خطورة تقسيم مصر إلى أهل الخير الذين ينحازون بحق أو باطل للرئيس أحسن أم أساء، وأهل الشر الذين يعارضون الرئيس، سواء كانت هذه المعارضة سلمية لا تحمل سوى القلم أو اللافتة، أو معارضة مسلحة أو إرهابا على طريقة «داعش» وحلفائه فى الداخل والخارج، أنها تستصحب نفس المنهج الذى حكم جماعة الإخوان فى حكم البلاد فى عام الاستقطاب الذى أطلقته الجماعة بين من هم معها ومن هم ضد مشروعها وسياساتها وقراراتها، وهو الذى رسم ملامح «30 يونيو» التى أخرجت الجماعة من حكم مصر وأودعتها السجون.

قسم الإخوان المجتمع تحت ديباجات إسلامية إلى فسطاطى الإيمان والكفر، فجعلوا راية الإيمان حقا حصريا يملكونه، بينما وسموا من يخالفهم بأنه يحمل راية الكفر، وكان ذلك عندما حوّلوا المعركة مع خصومهم السياسيين إلى معركة دينية تستدعى فيها مفردات الإيمان والكفر.

تنظيم الإخوان كان يضيق بالمعارضة داخله ويلفظ أى رؤية تقدمية، مؤمنًا بأن السمع والطاعة دليل العافية وأن الحوار باب للجدل والشر، وهى الكارثة التى أودت بالجماعة إلى الهاوية فى اللحظة التى ظنت فيها أنها فى أوج قوتها، كان التنظيم فى حقيقته عسكريا يضيق بالنقد والمعارضة ولا يسمح بهما، فكان أشبه فى روحه بجيش يمضى فى معركة يظنها معركة حق لا يسمح لأحد بالتوقف أو إبداء الرأى حين تصدر الأوامر بالتحرك.

كما أزعجنا منهج الإخوان الذى تعامل مع الدولة المصرية باعتبارها نقابة مهنية أو تنظيما أو شركة خاصة يملكها ويديرها بطريقته التى تخلو من الديمقراطية والرشد، أزعجنى فى طريقة الرئيس السيسى عندما كان مرشحا وفيما خرج عنه خلال حملته، أنه يحول كل مشكلة إلى رقم أو مبلغ من المال يتصور أن الحل يكمن فى تدبيره، أكثر كلمة تكررت على لسان الرئيس كانت بكم أو كم؟

كانت أزمة الإخوان أنهم فى نخبتهم التى حكمت الجماعة ثم الوطن يقدمون الأطباء والمهندسين وأصحاب التخصصات العلمية الذين يتيهون بألقابهم العلمية التى حفرت فى بلد الشهادات مكانا مرموقا لحملتها، هذه الفئة رغم نبوغ بعضهم العلمى لم يتعرفوا على العلوم الاجتماعية ولم يضربوا فيها بسهم وافر، بل كانوا يحولون فى وعيهم كل مشكلة إلى معادلة من طرفين تعزز الحدية التى تشبه أهل الخير والشر، لم يحسنوا مهاراتهم وخبراتهم ليحسنوا تشخيص واقع مجتمعاتهم وما تحتاج إليه من جهة، كما لم يمارسوا سياسة فى ظل تأميم مساراتها منذ عقود حيث تصوروا أن مجرد انخراطهم فى دخول انتخابات النقابات أو اتحادات الطلبة أو حتى البرلمانات خبرة سياسية كافية تمنحهم جدارة التقدم لحكم مصر وإدراتها من جهة أخرى.

تصوروا أن نجاح محمد مرسى كنائب فى البرلمان حفر له مكانا ليصبح رئيس كتلة الإخوان فى البرلمان، ومن ثم يختار ليحكم مصر فى الأخير، وأصبحت تجربة الإخوان فى مصر من المعلوم الواقع بالضرورة، كذلك أصبحت أسباب إبعادهم عن الحكم واضحة ولعل أهمها التنكر لفكرة الشراكة الوطنية والأثرة حتى فى التعامل مع شركائهم من الإسلاميين، وطرح ما يؤمنون به من خطط وأفكار باعتبارها مسلمات، لا تستدعى سوى الاصطفاف خلفهم وتأييدهم بشكل مطلق والدعاء لهم فقط بالتوفيق وانتظار المعجزة التى سموها النهضة.

لم يتوفر الإخوان على تجربة فى السياسة أو فى الصلة بالعلوم الاجتماعية التى تمكنهم من قراءة واقع مصر وإقليمها وعالمها، ومن ثم فشلوا ولم يشركوا غيرهم فى رأى أو تدبير وتصوروا أن مصر الكبيرة جدا خلت إلا منهم ومن خبرائهم وعقولهم.

كانت هذه تجربة من ظنوا أنهم أهل الخير فى مواجهة أهل الشر، فهل يستعيد الرئيس السيسى نفس المنهج الذى استبدل بمكتب الإرشاد دائرة القصر الضيقة، التى لا نعلم عنها شيئا حتى الآن، من هم مستشارو الرئيس؟ ومن هم في دائرة صناعة القرار؟

ما يبدو لى أن الرئيس يصنع قراره بنفسه وهو يبدو مؤمنًا جدا بما يفعله وغير مستعد لقبول رأى مغاير أو رؤية متباينة مع ما يراه.

ما أريد أن أقوله للرئيس وللجماعة: إن الخير والشر نسبيَّان، وإن الخير المطلق هو من عند الله، أما خلقُه فيخطئون ويصيبون، لذا جعل الله الشورى دينًا، فقال تعالى «وأمرهم شورى بينهم» وجعلها كلها خيرًا، حتى إنه حث نبيه عليها بعد أن خالف الصحابة ما يراه من البقاء فى المدينة وعدم الخروج إلى أحد، لكنه نزل على رأى المجموع وحثه ربه بعدها على البقاء على ذلك «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر».

الديمقراطية يا سيدى ليست رطانة مثقفين ولا كلام نخبة ولا تحتاج إلى ربع قرن كما تظن، إنها وصفة النجاح التى أنقذت بلدانا من الإبادة، بفعل الحرب الأهلية التى التهمت نصف سكان بعض البلدان الأوروبية قبل أن تهتدى إلى تلك الصيغة لتدير خلافاتها.

لسنا أهل شر ولا نعتقد أنك -ومن يؤيدونك بحق أو بباطل- أهل خير، فلنبتعد عن التوصيفات الحدية التى أسقطت الإخوان فى السياسة والحكم، فتدبير أمور الناس لا يعرف الخير والشر، بل يعرف البدائل التى تحمل من الخير والشر معًا، لكنها تبقى نتيجة المقارنة بين العائد والتكلفة، وفى إطار الدراسة الموضوعية التى تنفتح على كل الآراء، فى بلد يحيا مواطنوه أحرارًا أصحاب رأى وخبرات، لسنا جماعة محظورة ولن نكون يومًا معسكر جيش، فدعك من وصفنا بالخير والشر وافتح مسارات السياسة ليعود بحرها صالحًا للحياة ونحظى جميعًا بالخير الذى نستحقه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف