مؤمن الهباء
شهادة الجزيرتان.. ومجلس النواب
إذا كانت بعض الأجهزة المختصة في الدولة قد اقتنعت بأنها أخطأت في التعامل مع الفصل الأول من ملف جزيرتي تيران وصنافير.. الذي يتضمن مرحلة الإخراج والإعلان والإقناع.. فلا أقل الآن من أن تحتاط جيداً في التعامل مع الفصل الثاني من الملف.. الذي يتضمن مرحلة الحسم من خلال مجلس النواب.. حتي لا تقع في أخطاء أشد وهي تظن انها تحسن صنعاً.
المفروض في هذه المرحلة ان مجلس النواب هو الذي سيفصل في الأمر بنزاهة.. وهو الذي سيعطي القرار النهائي.. إما أن يوافق علي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها الحكومة وجعلت الجزيرتين في حوزة السعودية الشقيقة أو يرفضها.. لذلك يجب أن يظهر المجلس في المرحلة الحالية بمظهر محايد.. إن لم يكن منحازا للمصلحة الوطنية.. ثم ينظر بكل جدية في الوثائق المعروضة عليه ويشكل لجنة من الخبراء الثقات في القانون الدولي من المؤيدين والمعارضين لبحث الملف بأكمله.. ويناقش اللجنة ليأخذ في النهاية التصويت بكل حرية ويقنع الجماهير المنقسمة.
أقول هذا هو المفروض.. لكن تعالوا ننظر كيف تتصرف هذه الأجهزة مع مجلس النواب الآن.. وماذا يقول النواب أنفسهم.. وهم يعرفون ان العيون ترصدهم وتتابع كل كلمة تصدر عنهم في هذا الملف الشائك تحديداً.
في عدد السبت الماضي نقلت صحيفة "الشروق" عن ائتلاف دعم مصر تقريرا موسعا تحت عنوان "لن نضغط علي الحكومة.. وسنبحث وثائق الجزيرتين".. ومعروف مقدماً ان "دعم مصر" هو صاحب الأغلبية في البرلمان.. وإذا اجتمع نوابه علي التصويت يميناً فسيكون القرار ذات اليمين.. وإذا اجتمعوا علي التصويت يساراً فسيكون القرار ذات اليسار.
في هذا التقرير يقول اللواء سعد الجمال الرئيس المؤقت للائتلاف ان من أثار البلبلة حول ملكية الجزيرتين هم بعض المتربصين الذين يحاولون سد أي طاقة أمل لصالح هذا الوطن.. ودائماً يقومون بمحاولات التشويه والتشكيك.. وإن مواقع التواصل الاجتماعي التي لا نعرف من وراءها تقوم ببث أفكار مسمومة ضد الدولة ويكون بعض الشباب ضحاياها.. ولذلك فقد تعهد بعد منح الثقة للحكومة بأن تكون هناك أدوات تشريعية وقوانين لضبط مواقع التواصل الاجتماعي بعد تسببها في تلك الكوارث.
هل استطعت الآن أن تحدد موقف وموقع ائتلاف دعم مصر ورئيسه من قضية الجزيرتين حتي من قبل أن يصل الملف إلي البرلمان وتبدأ مناقشته؟!.. بل هل استطعت أن تعرف قرار مجلس النواب في القضية من الآن؟!
يقول اللواء سعد الجمال ان "البرلمان يتولي بشكل أمين وموضوعية شديدة قضية الجزيرتين وسيديرها بأسلوب قانوني وشرعي من خلال اللجان التي ستتشكل بداخله وتستند إلي الخرائط والوثائق ولن تأخذ بأي ادعاءات ولن تضيع حقوق الآخرين. كما لا يضيع الآخرون حقوقنا".
نعم.. هذا ما يجب أن يكون.. ولكن كيف يستقيم ذلك مع التوجه الظاهر للائتلاف صاحب الأغلبية في البرلمان نحو وجهة نظر ضد أخري.. واتهامه لأصحاب وجهة النظر الأخري بإثارة البلبلة والتربص ضد مصالح الوطن.. بل وتعهده بسن قوانين لضبط مواقع التواصل الاجتماعي بعد منح الثقة للحكومة؟!
في تقرير "الشروق" يكشف قيادي آخر في ائتلاف دعم مصر ـ رفض ذكر اسمه ـ عن ان بعض الأجهزة بالدولة مدت منذ أيام الائتلاف بالوثائق التي تثبت ملكية الجزيرتين للسعودية لعرضها علي الأعضاء لإثبات أحقية الجزر للسعودية.. مؤكداً ان الائتلاف سيعقد اجتماعا بعد انتهاء تشكيل اللجان النوعية لمناقشة قضية تيران وصنافير وعرض الوثائق علي الأعضاء للتأكد من حقيقة الأمر.
السؤال الآن: ومن سيمد الائتلاف وأعضاء البرلمان جميعاً بالوثائق التي تثبت ملكية الجزيرتين لمصر.. ولماذا لم تقدم الأجهزة إياها كل الوثائق ـ المؤيدة للسعودية ولمصر ـ ثم تترك للمجلس حرية اتخاذ القرار بكل شفافية؟!
أخشي كثيراً من أخطاء المرحلة القادمة.