الأهرام
أنور عبد اللطيف
هل ترد السعودية مليارات «بطرس غالى» ؟!
منذ قيام ثورة ٣٠ يونيو ونحن نتعلم كل يوم درسا جديدا. آخرها حصة التثقيف التى كان عنوانها «تيران وصنافير». صرنا خبراء فى الجرف القارى وخطوط الطول والعرض وتحديد المياه الإقليمية، والفرق بين السيادة والإدارة، ولم تملأ عين معظم «المناضلين» أرقام المليارات التى امتلأت بها اتفاقيات التعاون بين السعودية ومصر، وتابع العالم كيف أن مليارات الدنيا لا تساوى التنازل عن حبة رمل واحدة من تراب مصر، وقال لى صديقى المشاكس: إن هذه المليارات التى اكتظت بها اتفاقيات التعاون مع السعودية ليس لها الا معنى واحد، هو تطبيق منطق رابين فى اتفاقيات أوسلو الذى يتلخص فى الأرض مقابل السلام، فقاطعته قائلا: خسئت ياصديقى ليست مصر ولا جيش مصر، ولا الرئيس السيسى، ولا أى رئيس ينتمى إلى هذه المؤسسة الوطنية ـ أو حتى لا ينتمى ـ يمتلك قرار التنازل عن سنتيمتر من مساحة مصر، فعقيدة الجيش المصرى لاتسمح أن يقبل التنازل عن موقع إلا متحرفا لقتال أو متحيزا الى فئة فى إطار تشكيل أو خداع قتالى لإنقاذ حياة المصريين، فقاطعنى صديقى : ولكن مصر الآن فى ضائقة مالية، ويمكن أن يكون هذا التنازل «تجارة» مفهومة، ولا مانع أن تمد يدها بالريالات مقابل الجُزر، فقاطعته: مصر ليست مدانة لأحد، وحكيت له ما شاهده الأستاذ مصطفى سامى عن ثورة الراحل العظيم الدكتور بطرس غالى على كبير محررى الشئون الخارجية بجريدة لابرس فى كندا ، عندما سأله خلال مؤتمر صحفى : لقد أقرضتكم كندا مائة مليون دولار، فمتى تردون هذه الديون؟ فثار الدكتورغالى: إن بلدكم كندا هى المدانة الى مصر، وعلا صوته غاضبا وقال: الستة آلاف مهاجر مصرى الموجودون فى هذه المقاطعة كيبيك تحملت بلادى لتعليم كل واحد منهم أكثر من مائة وخمسين ألف دولار، وفى مومنتريال فقط يعمل ألف طبيب مصرى، وأن فيها أكثر من مائة كلية للهندسة يرأسها عمداء مصريون، وأن كل هذه الخبرات تم تعليمهم فى مصر وبلادك تستثمرهم «على الجاهز» وعليك أن تسأل حكومتك متى تسدد باقى الثمن لحكومة بلادى؟..

فمصر وفقا لمفهوم الدكتور بطرس غالى قدمت المليارات لأشقائها العرب، فى شكل ملايين الكفاءات التى تعلمت وحان وقت رد الجميل مقابل للخبرات التى تعلمت فى مصر ثم ذهبت وأسست فى السعودية كما فى سلطنة عمان كما فى الإمارات واليمن والسودان والمغرب العربى، وهذا الكم من اتفاقيات التعاون بين البلدين التى وقعها خادم الحرمين الشريفين مع الرئيس السيسى هو نتاج تاريخ طويل من العطاء المتبادل بين الشعبين الشقيقين، فقال صديقى: لماذا العجلة فى قضية الجزر، ولقد أفسد الربط بينها وبين اتفاقيات التعاون أجواء الزيارة، فقلت وأنا أشعر بضعف حجتى فى هذه النقطة بالذات: هناك خطأ فى الاخراج لكن لعل هذه الضجة هى المقصودة، ألم تسمع كلمة الرئيس إلى رموز المجتمع هناك أشياء مايصحش نتكلم فيها، ومن قبل قال: اسمعوا كلامى أنا، حتى يقطع الطريق على الشائعات،التى اعتادت أن تنطلق لتشوه كل انجاز. فقال صديقى ساخرا : قطع الطريق على الشائعات بالمعلومات، ولابد من عزل كل المسئولين عن الجهاز الاعلامى وطاقم المستشارين القريبين من السيد الرئيس، ولابد أن يستعين بخبرات سياسية بجد، ولابد أن يتوقف الرئيس ليسأل نفسه: من المسئول عن توحيد المعارضة ضده فى هذه الزيارة بالذات، وقبلها من المسئول عن تفكك جبهة 30 يونيو، قلت: معك حق فمثل هذه المراجعة مطلوبة، وعموما هذه الاتفاقيات اختبار عسير لمجلس النواب، ثم وضع صديقى إصبعه فى رأسه بعد أن أزاح الكاب قليلا فبانت صلعته وابتسم فى خبث وقال متفكرا: لكن ألم تلحظ أن أمريكا اعترفت بنزاهة الانتخابات بعد أربعة أشهر من انتهائها، وأشاد رئيس مجلس النواب الأمريكى ومن بعده الرئيس الفرنسى بالممارسة الديمقراطية فى مصر؟ فقلت وماذا يعنى هذا؟ فقال على الفور: مجلس النواب هو الذى سيمرر الاتفاقات جملة واحدة، قلت هذا طبيعى ومن الممكن أن يرفضها أو يقبل بعضها، فقال: لن نقبل منه الا رفض اتفاقية الجزر، فقلت: لكنها اتفاقية لترسيم كل الحدود البحرية من الشمال الى الجنوب، ومن الممكن أن تخسر الوجود هنا وتكسب السيادة الوجود فى منطقة أهم!

تنهد صديقى بحماس قديم وردد كلمات فايدة كامل: هذه أرضى أنا وأبى ضحى هنا، وقال: الحدود لا تقبل طرحا للموافقة عليها من مجلس الشعب ولا حتى الاستفتاء عليها، فهذا الجيل لايملك حق التنازل بمزاجه عن حقوق الأجيال القادمة، وأضاف: ثم إن هذا التنازل قد يجيب عن سؤالك الأسبوع الماضى وتوقع السعودية على اتفاق سلام مع اسرائيل، لأن الالتزامات لا تنتقل من دولة الى أخرى بالوراثة، فقلت له: أنا لا أثق فى الخرائط، لكنى أكرر ثقتى فى الجيش المصرى وقائده الأعلى فهو لا يمكن أن يوافق على التنازل عن سيادته أو إدارته لمنطقة أو لنقطة تمركز إلا إذا كان سينتقل الى وضعية أفضل تمكنه من أداء دوره فى حماية الأمن القومى للوطن وبيان الجيش هو المخرج الوحيد!

وأضفت أما بخصوص التكهن بمعاهدة سلام بين السعودية وإسرائيل، فإليك رأى الخبير العسكرى عبده مباشر، فهو يرى أن مدينة جدة ونويبع وتبوك وغيرها من مدن السعودية يمكن أن تتعرض نظريا لقصف إسرائيلى فى أى وقت ، فلا تنسى أن الدولتين فى حالة حرب، فمنذ انتهاء حرب اكتوبر 73، وبتوقيع كل من سوريا والأردن ومصر اتفاقيات هدنة وفض اشتباك ومعاهدة سلام،، حتى المبادرة العربية للسلام التى طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز لم تقبلها اسرائيل حتى الآن، ولاتنسى أن أمريكا سعيدة جدا بهذا الاتفاق لمجرد «أننى» أخطرتها وإسرائيل بتفاصيل الاتفاق منذ البداية وانعكس ذلك بالترحيب الأمريكى وتهليل الـ«سى إن إن» لأنهم فهموا أن السعودية اليوم بما لها من ثقل عربى واقتصادى عالمى وضعت رجلها على أول طريق السلام الذى رفض المشى فيه الملك عبد العزيز يرحمه الله!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف