الأهرام
محمد رضا عوض
شخصيات إسلامية: الإمام القرطبى
هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي من كبار المفسرين صاحب”الجامع لأحكام القرآن” وهو كتاب جمع تفسير القرآن كاملاً. وكان فقيهًا ومحدثًا ورعًا وزاهدًا متعبدًا ولد في قرطبة عاصمة الأندلس الإسلامية (إسبانيا اليوم) فى أوائل القرن السابع الهجري (ما بين 600 - 610هـ) ومنذ صغره أقبل على العلوم الدينية والعربية ففي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات وغيرها على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وبقي كذلك حتى وفاة والده سنة 627هـ. تأثر القرطبي كثيراً بالغنى الثقافي والمعرفي الذي كانت تعرفه الأندلس عامة وقرطبة خاصة. فلقد نشطت الحركة العلمية في شتى الميادين اللغوية والعلمية والشرعية، نال منها الكثير. وكان من شيوخ القرطبي:ابن رواج وهو الإمام المحدث وابن الجميزي: من أعلام الحديث والفقه والقراءات وأبو عباس القرطبي (صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم) والحسن البكري. وكان إلى جانب تلقيه العلم يعمل فى صناعة الخزف والفخَّار في فترة شبابه، والتى كانت من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة فى ذلك الوقت, وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة .عاش مأساة الأندلس، والتى بدأت بهزيمة الموحدين سنة 609هـ في معركة العقاب، والتى كانت بداية لانهيار الأندلس، وفي سنة (633هـ 1236م) وبعد حصار طال عدة شهور، سقطت قرطبة في 23 من شهر شوال لسنة 633هـ 29 يونيو سنة 1236م فخرج القرطبى منها إلى المشرق طلبًا للعلم من مصادره، فانتقل إلى مصر التي كانت محطًّا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها، واستقرَّ بها . واخيراً استقرّ به المقام بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر، فاتخذها داراً له ومقاماً ومركزاً للتدريس والتأليف.

ذكر المؤرخون للقرطبي عدَّة مؤلفات غير تفسيره العظيم (الجامع لأحكام القرآن) والذى يعتبر موسوعة في تفسير القرآن الكريم، وهو من أفضل كُتب التفسير التي عُنيت بالأحكام، مع الاهتمام ببيان أسباب النزول، وذكر القراءات، واللغات ووجوه الإعراب، وتخريج الأحاديث، وبيان غريب الألفاظ، وتحديد أقوال الفقهاء، وجمع أقاويل السلف ومن تبعهم من الخلف، وقد نقل عمن سبقه في التفسير، مع تعقيبه على من ينقل عنه, كما ردَّ على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشها، ويمشي مع الدليل، ولا يتعصب لمذهبه المالكي فكان القرطبي حرًّا في بحثه، نزيهًا في نقده، عفيفًا في مناقشة خصومه، وفي جدله، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه، وعلوم الشريعة فأخرج للناس درة التفاسير، وأصبح كتابه مرجعًا مهما, ويمتاز هذا التفسير عما سبق من تفاسير أحكام القرآن أنه لم يقتصر على آيات الأحكام فقط، والجانب الفقهي منها، بل ضم إليها كل ما يتعلق بالتفسير.

وقد التزم القرطبي في هذا التفسير الأمانة العلمية، والموضوعية في الإفادة من أسلافه، فقال: “وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. ولقد تأثر الإمام القرطبي كثيراً بعلماء سبقوه منهم:الطبري والماوردي وأبو جعفر النحاس، وابن عطية، وأبو بكر ابن العربي. وكان زهدا ورعا، كرَّس حياته للعلم والمطالعة والتأليف, وفي (مُنْيَة الخصيب) بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671هـ، وقبره بالمنيا شرق النيل، بعد ان ترك تراثا علميا غزيرا تأثر به كثير من المفسرين الذين جاءوا من بعده، وانتفعوا بتفسيره, ومن هؤلاء الحافظ بن كثير، وأبوحيان الأندلسي الغرناطي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف