لم تكتف إسرائيل. ولن تكتفي. باحتلال الأراضي الفلسطينية وأجزاء من الأراضي العربية هنا وهناك.. إسرائيل مشروع استعماري استيطاني مستمر ومنتشر ومتوغل ومتمدد ليس له حدود.. مشروع مدعوم بالكامل من الغرب ليظل شوكة مؤلمة وجارحة في ظهر العرب جميعا.. وقد بدأ هذا المشروع باحتلال الأرض.. ثم احتلال التاريخ الفلسطيني عن طريق التزوير والتزييف ونسبة هذا التاريخ إلي الدولة العبرية.. ثم محاولات احتلال التراث الفلسطيني الحضاري والفني وإلحاقه بالمشروع الصهيوني اليهودي.. وأخيرا محاولات احتلال الدور العربي عموما والدور المصري خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.. ولعب الدور البديل.
تروج آلة الدعاية الإسرائيلية الآن أن النظام العربي لم يعد قادرا علي الاضطلاع بدوره في حفظ السلام والأمن والتوازن في المنطقة.. وأن حالة الضعف والتفكك التي تعيشها الدول العربية تمنعها من القيام بأي دور ايجابي يحول دون انفراط العقد الاقليمي وتمدد الإرهاب.. وأن مصر أيضا لديها ما يعوقها عن هذا الدور.. وبالتالي فإنها وحدها - إسرائيل - التي تمتلك القدرة علي أداء الدور.. وقد نجحت في فتح كثير من الأبواب المغلقة عربيا وأفريقيا وآسيويا.. ولم يعد أمامها إلا أن تعلن صراحة عن التحالفات التي استطاعت أن تدخل فيها لإنهاء العزلة التي كانت تعيشها خلال العقود الماضية.
إسرائيل الآن تلوح بأنها صارت أقرب إلي الدول العربية والإسلامية.. وأن الحرب علي الإرهاب أعطتها الفرصة لإقامة جسور جيدة مع جيرانها.. ناهيك عن الجسور التي أقامتها من قبل مع العمق الأفريقي والعمق الآسيوي.. ولديها الرغبة والقدرة الآن علي أن تقوم بالدور الذي كانت تقوم به بعض الدول العربية.. وخاصة مصر.
تتحدث تقارير عديدة عن قيام إسرائيل منذ فترة طويلة بعمل معسكرات خيرية واجتماعية لأطفال غانا والدول المحيطة بها في أفريقيا - علي سبيل المثال - وتوفر سبل الحياة الكريمة لهم.. بشرط الإيمان بإسرائيل والولاء لها ولعلمها وسياساتها.. كما تقوم إسرائيل بشراء لاعبي كرة القدم الموهوبين في هذه البلاد والسماح لهم باللعب عندها.. ثم تبيعهم بعد ذلك بمبالغ طائلة في أوروبا.. ولا يخفي أن ولاء هؤلاء ثقافيا وفكريا وتربويا واجتماعيا. بل ودينيا. يكون لإسرائيل التي اهتمت بهم وهم صغار.. وهذا يفسر ربما تصرف أحد لاعبي غانا الذي رفع علم إسرائيل بعد فوز منتخب بلاده علي التشيك بهدفين للا شيء منذ عدة سنوات.. وكان هذا التصرف صدمة حقيقية تحمل دلالات ثقافية وسياسية ضد الدور العربي والإسلامي والمصري في أفريقيا.
ولا ننسي ان إسرائيل أبرمت مجموعة من العلاقات الدبلوماسية والثقافية والسياسية مع دول حوض النيل.. ولديها تواجد مفزع" ضد مصالحنا المائية هناك.. وتقوم بالتغلغل السريع والمروع في وسط أدغال القارة الأفريقية.. بينما نكتفي نحن بالمشاهدة وهو الأمر الذي أدي إلي أن أصبح لإسرائيل دور مؤثر في قرار دول الحوض.. ووصل الأمر أن تعرض الوساطة بيننا وبين هذه الدول لحل المشاكل العالقة.
إن حجم ومقدار الضلوع الإسرائيلي في قارتنا السمراء وفي محيطنا العربي آخذ في الاستفحال والتضخم واحتلال موقعنا الذي كان في يوم من الأيام له قيمة ومكانة وأهمية وتواجد وتاريخ.. لكنه الآن بات في مراحل الاحتضار الطبيعي.. وكل شبر تنسحب منه مصر.. وكل فراغ تتركه تجري إليه إسرائيل فورا لكي تحتله.. وتحاول أن تقوم بالدور الذي يجب أن نقوم به.. هي محاولة احتلال وإلغاء للشخصية وللدور وللمصالح وللمستقبل.