الأخبار
محمد السيد عيد
المؤرخ العبقري والزمن الترللي - مالم نحققه مع المصريين بالقوة يمكننا أن نحققه بالخدعة
قال المؤرخ العبقري، الأستاذ الفُللي، في كتابه المسمي « الزمن الترللي «، الذي يروي ماكان من أحداث الزمان، إنه منذ خمسمائة عام، بالكمال والتمام، وقعت لمصر واقعة تثير في النفس الحزن العميق، ويبعث ذكرها علي الأسي والضيق، لكنها تستحق الوقوف أمامها، وتأمل دروسها، التي لو نقشت بالإبر علي عيون البشر لكانت عبرة لمن اعتبر

قال : منذ خمسمائة عام، كانت مصر والشام، تحت حكم الدولة المملوكية، وبجوارها كانت دولة بني عثمان التركية. وكان الأتراك يحلمون بتولي الخلافة الإسلامية، التي استقرت منذ عصر الظاهر بيبرس في الدولة المصرية، لذا قرر السلطان التركي أن يواجه سلطان مصر، لينقل الخلافة لبلاده ويكون وحده خليفة المسلمين في هذا العصر، فحشد قواته، وسار يريد الكنانة بجيشه وعتاده، وأخذ سلطان مصر الأمر باهتمام، وسار لحربه ومعه قادته العظام، حتي وصل إلي مرج دابق، وهو غاضب حانق، ولم تلبث المعركة أن اشتعلت بين الجيشين، ودار الصراع بين الفريقين، كل فريق يريد النصر، وشاء ربك أن ينتصر في البداية جيش مصر، لكن دون أن يحسم الأمر

لما أحس السلطان العثماني ببشائر الاندحار، جمع قادة جيشه الجرار، وشاورهم في الأمر دون استهتار، وسألهم عن الحل الذي ينقذ سمعتهم من العار. وبعد صمت وتفكير، قال له قائد كبير : إعلم يامولاي السلطان أن القوات المصرية لن تهزمها القوة العسكرية، فهم مماليك غلاظ شداد، يقاتلون بشراسة وعناد، مشاة أو علي ظهور الجياد. ثم صمت القائد برهة، قال بعدها بجرأة : إعلم ياحضرة السلطان أن مالم نحققه مع المصريين بالقوة يمكننا أن نحققه بالخدعة. سأله السلطان : كيف ؟ قال القائد وهو يزن كلامه بدقة : لن نهزم المصريين بغير التشكيك في القيادة وبث الفُرقة، فإذا نجحنا في تشكيك المصريين في كبيرهم، وبث الفرقة بين صفوفهم، فأعدك أن نحتل بلادهم.

سأله السلطان : وكيف السبيل لتحقيق هذ الفكرة العبقرية ؟ قال القائد : إليك يامولانا سلطان الدولة التركية خطتي الجهنمية. إن الجيش المصري قوامه فئتان، المماليك القدامي واسمهم القرانصة، والمماليك الجدد واسمهم الجلبان، وقد لاحظت أن سلطان مصر يعتمد علي المماليك القدماء، لأنهم رجال الحرب الأكفاء، لذلك فخطتي تقوم علي إطلاق شائعة بين هؤلاء الرجال الأشداء، بأن السلطان يريد الخلاص منهم، لأنه يخشي قوتهم، وأنه يجعلهم في الصفوف الأمامية ليتخلص منهم بالكلية، وفي الوقت نفسه نقول للمماليك الجدد أن السلطان يستبعدهم من الميدان لأنه لايثق بهم، ويشك في ولائهم، وبذلك يسيء المماليك جميعاً الظن بسلطانهم، ويتصرفون بالشكل الذي يرون أنه يحافظ علي حياتهم، وإذا قاتلوا قاتلوا قتال المضطر، ولايسعون بهمة حقيقية للنصر، وعندئذ يمكننا أن نغلبهم بكل سهولة ويسر.

تنحنح كبير بصاصي السلطنة، وطلب الكلمة بطريقة لينة، وقال كلمات قليلة لكنها غيرهينة، قال : ياصاحب الجلالة، لدي سلاح رائع، يساعدنا علي النصر بشكل قاطع. أقصد : سلاح الخيانة، فبين المصريين عملاء لنا لايعرفون الأمانة، وكل منهم يطمع في حكم مصر تحت لوائنا، ولو أمرناهم فسينفذون أمرنا، ولو شئت استخدام هذا السلاح علي الفور فماعليك سوي أن تصدر الأمر. قال السلطان وفي عينيه الشر : إنني آمر باستخدام كل الأسلحة التي تكفل لنا النصر.

في الجولة التالية للحرب انتصر الأتراك علي المصريين، وكان هذا سبباً في استيلائهم علي حكم مصر لمئات السنين. فقنا اللهم شر الفرقة والتشكيك والخيانة يارب العالمين.

انتهي كلام المؤرخ الفللي في كتابه «الزمن الترللي»، ورأي كاتب هذه السطور، أن ينقل قصتة للجمهور، لعلها تكون مفيدة ملهمة، وللأجيال الجديدة معلمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف