عمرو حسنى
أبو سويلم الخائن دافع عن قيراطين
احذفوا مشهد سحل أبو سويلم فى نهاية فيلم "الأرض" وتمسكه بأعواد القطن اليابسة التى أدمت أصابعه القابضة عليها، وروت الأرض بدمائه، بعد أن سحله جنود المأمور بالخيل لعصيانه أمر إخلائها من أجل أن يمر طريق أو "جسر" الباشا. احذفوه لكى لا تراه الأجيال الجديدة القادمة لأنى واحد من ملايين المصريين الذين يتذكرونه كلما قفز عفريت قضية التنازل عن تيران وصنافير فى رؤوسهم.
غيروا الأغنية أيضًا واجعلوها "الأرض لو عطشانة نرويها كوكاكولا"، واجعلوها شيئًا ماسخًا وتافهًا أو احذفوها هى الأخرى فلن يصدقها أحد بعد الآن، فهى لم تعد تقدم درسًا تريدون تعليمه لأطفالكم. أبو سويلم كان خائنًا وعميلاً وأجندة وممولًا، لأنه دافع عن قيراطين مثله مثل كل من يعلو صوتهم الآن دفاعًا عن تيران وصنافير.
الأصل فى الدنيا هو المشاع قبل أن تخلق الحدود، ولكن ما يمنح دولة أحقيتها فى حدود يعترف بها جيرانها هو مظاهر سيادتها على الأرض.
مصر مارست السيادة على سيناء بأكملها شاملة تيران وصنافير من قديم الأزل قبل أن توجد الحدود الإدارية لدولة شقيقة سميت فيما بعد بالمملكة العربية السعودية فى عام 1932. تلك المملكة الوليدة رسمت لها بريطانيا حدودها عندما كانت مصر تقع تحت الاحتلال البريطانى فمنحتها على الورق تيران وصنافير.
رغم ذلك لم تتضح من يومها أية مظاهر للسيادة السعودية على هاتين الجزيرتين، بل وانتهى الأمر بتفويضها لمصر للدفاع عنهما فى حروبنا مع إسرائيل، ولم تبلغ السعودية مجلس الأمن باحتلال إسرائيل "لجزيرتيها" بعد هزيمة عام 1967 لتقدم بذلك اعترافًا رسميًّا بعدم سيادتها عليهما.
من حقك كمصرى أن تتمسك بهاتين الجزيرتين. ليس فقط بمنطق التاريخ، ولكن بمنطق تضحية أجدادك بدمائهم للدفاع عنهما والذى يمثل، بالمناسبة، فى القانون الدولى أحد مظاهر السيادة. على الجانب الآخر ربما تتمسك السعودية بحقها باعتبار أنها تملك خريطة بريطانية منحتها حق إدارة جزيرتين لم تطأ أرضهما قدم جندى سعودى خلال عمر دولتها القصير.
لا بأس، فكل المناطق الحدودية فى العالم تدور الخلافات والشكوك حول إعادة ترسيمها بطريقة عادلة، وقد تصل فى كثير من الأحيان إلى نزاعات مسلحة. السبب المؤكد فى تلك الصراعات أن الدول التى تتشارك فى مناطق حدودية من الصعب أن تملك إحداها إثباتًا تاريخيًّا دامغًا يؤكد أحقيتها المطلقة وسيادتها على الأرض، طوال الوقت، لأهميتها الإستراتيجية التى ربما نقلت حيازتها عبر عقود، أو عبر قرون، من دولة إلى أخرى ومن محتل إلى آخر.
الوضع فى حالة تيران وصنافير يختلف تمامًا لأنها لم تخرج مطلقًا طوال تاريخها عن السيطرة المصرية. كما أنه لم يكن محسومًا بمقتضى الخريطة البريطانية التى تمسّك بها رئيسنا وحكومته بجدعنة مريبة باعتبار أنهما يردان الحق لأصحابه، لأنها تعد ترسيمًا إداريًّا وضعه محتل رغمًا عن إرادة صاحب الحق الأصيل. كما أن تنازل السعودية عن الدفاع عن الجزيرتين لمصر ينفى سيادتها عليهما ويلغى التقسيم الذى وضعه المحتل البريطانى، ويعيد الحق إلى أصحابه الأصلاء.
أصحاب السيادة على الأرض يدافعون عنها ويموتون من أجلها حتى ولو كانوا يفتقرون إلى السلاح كما فعلت بلوكات الشرطة المصرية خفيفة التسليح عندما دافعت عن الإسماعيلية عام 1952، لتمنع جيش بريطانيا العظمى من دخولها واستشهد رجالها على أرضها. نحن لسنا مملكة، وحكومتنا ليست حكومة صاحب الجلالة الذى يمنح أرضه لمن يريد وعلينا أن ننفذ مشيئته.
المساعدات التى تمنحها دولة لأخرى فى إطار الصداقة وعلاقات الأخوة لا تبرر تساهل الحكومة "الممنوحة" فى ترسيم حدود وطنها خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة إستراتيجية تدور حولها الشكوك وعلامات الاستفهام.
نحن ننتخب الموظفين العموميين ليتمسكوا بالأرض التى تكون لنا علامات للسيادة عليها، ومن حقنا أن يتم إطلاعنا على كل ما يدور حولها من مفاوضات مع جيراننا بكل شفافية، وفى كل المراحل التى تقطعها تلك المفاوضات.
على الأقل حتى يكون للرأى العام دور وموقف بالرفض أو بالموافقة على كل ما يتم اتخاذه من خطوات فى وطن لا يملكه من يديرون مفاوضاته فى الخفاء، ويتنازلون عن قطعة منه بأسانيد يمكن دحضها. بريطانيا بجلالة قدرها لها ملكة تملك ولا تحكم، ورغم هذا فلا يحق لها التصرف فى أرض المملكة المتحدة لأنها تملكها صوريًّا فقط. على العكس من هذا فالرؤساء يحكمون ولا يملكون. كما أن حكمهم ليس مطلقًا بل تحدده قواعد دستورية يفقدون شرعيتهم عندما يتمردون عليها.
فى فيلم "الأرض" سالت دماء أبو سويلم دفاعًا عن قيراطين وأنتم تتنازلون بخفة عن جزيرتين استراتيجيتين بلا ذرة من تأنيب الضمير، وتستميتون دفاعًا عن منحهما للسعودية بمستندات لن تفيدها، كما يقول الخبراء، إذا ما ذهبت بها إلى تحكيم دولى. احذفوا مشهد أبو سويلم الشجاع الذى دافع أعزلَ عن قيراطين رواهما بدمائه لكى لا يخترقهما طريق الباشا. احذفوه حتى لا يعلق بذاكرة الأجيال القادمة. أقول لكم؟ الأفضل أن تحولوه إلى مشهد كوميدى يدور على أنغام أغنية جديدة لحسين الجسمى يقول مطلعها: الأرض لو عطشانة نرويها كوكاكولا.
إخص على كل من يهللون للتفريط.