هانى فوزى
هل يهدم الميلنيلز مؤسسة الزواج؟
هل مؤسسة الزواج قابلة للهدم؟ هل تتغير "سنة الحياة"؟ هل حلم الزواج والأسرة والأطفال كما نعرفه يمكن ألا يكون مغريا؟
إجابات الأسئلة السابقة كانت بديهية حتى سنوات قليلة مضت، مؤسسة الزواج هى واحدة من أهم مكونات التنظيم الاجتماعى فى الأغلبية العظمى من المجتمعات بغض النظر عن مدى تطورهذه المجتمعات الاقتصادى و الاجتماعى، هى مؤسسة عابرة للطبقات، فالأغنياء والفقراء على السواء يتزوجون... ولكن يبدو أن هناك شئ ما يتغير.
يبدو أن ما اعتبرته أجيال سابقة "سُنة" للحياة وما كان أساسا للتنظيم الاجتماعى يتعرض لتغير قد يكون جذرى على أيدى الميلنيلز (الجيل المولود منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين وحتى عام 2004).
على مستوى الممارسة وقبلها الإدراك والمفاهيم تتغير مقاربة الميلنيلز للزواج، ولا يبدو هذا مفاجئا لمن يحاول رؤية الصورة الأكبر؛ منطق الاقتصاد القديم يتهاوى و معه طريقة قديمة لتنظيم العمل و الحياة ولبناء مؤسسات المجتمع و يبدأ مخاض وعي جديد ومنطق اقتصاد جديد، و مقاربة جديدة للعلاقات مع الآخرين و مع الذات.
هل هذا التغيير هو للـ "أفضل" أم للـ"أسوأ" ؟! الإجابة: لا هذا ولا ذاك، هناك تغيير كبير يحدث فى عالمنا، التغيير على كل المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا وثقافيا، ما كان "طبيعيا" منذ سنوات لن يكون بالضرورة هكذا بعد سنوات ، ما كان غريبا ويحدث فقط على هوامش المجتمعات قد يصبح تيارا رئيسيا فى المستقبل القريب.
على حسب دراسة ميدانية لعينة ممثلة للبالغين فى أمريكا قام بها مركز بيو البحثى Pew Research Center، فإن 46 % من العينة رأوا أن المجتمع سيكون أفضل لو أن الزواج والأطفال كانوا أولوية للمواطنين بينما رأى 50 % من العينة أن المجتمع لن يتأثر لو أن هناك أولويات أخرى للمواطنين غير الزواج والإنجاب، انقسمت العينة تماما حول الزواج كأولوية.
هذا فى الولايات المتحدة، مصر والشرق مختلفين؛ هذا ما سيفكر فيه مباشرة من لا يعرفون إلا كتالوج واحد قديم للحياة، من اعتادوا استعمال كليشيهات معلبة لتفسير وفهم كل شئ، نظرة سريعة على أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى أخر ثلاث سنوات عن معدل الزيادة السكانية ومعدلات الزواج والطلاق فى الريف والحضر وبين الشرائح العمرية المختلفة فى مصر توحى بأن شئ ما يحدث؛ انخفاض معدل الزيادة السكانية لأول مرة منذ 10 سنوات، إرتفاع سن الزواج للجنسين، انخفاض معدلات الزواج فى الحضر، ارتفاع معدلات الطلاق فى الشريحة العمرية من 30 إلى 35 عاما، نحتاج إلى أرقام تفصيلية أكثر ومتابعة لتطور هذه الأرقام على مدى عدة سنوات وأيضا إلى أبحاث ومسوح إجتماعية معمقة لمعرفة ما وراء الأرقام ، ولكن الأرقام الأولية مع ملاحظات يومية لا تخطئها العين تشى بأنه ربما هناك تغير ما بطئ خفى يحدث وقد تفاجئنا مظاهره بعد قليل . أظن إنه يمكن قراءة هذه الملاحظات والأرقام الخاصة بالزواج – كمثل لإتجاهات إجتماعية أخرى - مع تغير أنماط التدين بين الميلنيلز التى ناقشتها فى مقالات سابقة.
فى أبريل 2014 وفى إطار دراسة موسعة عن الميلنيلز قام بها Urban Institute، قامت المؤسسة البحثية القائمة فى العاصمة الأمريكية بنشر جزء من الدراسة عن الزواج بين الميلنيلز فى الولايات المتحدة وقامت باستخدام طرق إحصائية معقدة لوضع سيناريوهات لمعرفة معدلات زواج الميلنيلز عند وصولهم لعمر الأربعين ( أكبرهم فى منتصف الثلاثينيات الآن)، الدراسة وصلت إلى أن نسبة المتزوجات بين السيدات من الميلنيلز عند وصولهم للأربعين ستكون مابين 69.3 % فى أقل السيناريوهات و 76.8 % فى أكثرها وبين الرجال 65% و 72.6% ، أى أن مايقرب من ربع الإناث وثلث الذكور من الميلنيلز لن يتزوجوا حتى بلوغهم الأربعين، هذه الأرقام هى الأعلى على الإطلاق فى أمريكا ، ما بين الجيل "س" Generation “X” ، الجيل الذى يسبق الميلنيلز مباشرة و المولود من منتصف الستينيات وحتى نهاية السعينيات من القرن العشرين كان معدل من يصلون إلى الأربعين بدون زواج 18 % فقط.
الأرقام هامة بالتأكيد، الأهم فى تصورى هو محاولة فهم الأرقام فى سياق مانعيشه حاليا وفى إطار نظرة الميلنيلز لتفاصيل الحياة المغايرة تماما مقارنة بأجيال سبقتهم وكيف يمكن تصور شكل المستقبل فى ضوء كل هذا، يبدو الاقتصاد لاعبا أساسيا فالميلنيلز منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008 لديهم صعوبات فى الحصول على وظائف وملكية منازل أو حتى إيجارها فما يقرب من ثلث الميلنيلز مازالوا يعيشون مع عائلاتهم ، يبدو الحديث عن 30 ألف دولار أمريكى كمتوسط لتكلفة الزواج سبب رئيسى إذن لإحجام قطاعات من الميلنيلز عنه.
هل الاقتصاد سبب وحيد ؟ ما هى الأسباب الأخرى لعدم إقبال الميلنيلز على الزواج ؟ هل هناك أنماط جديدة للعلاقات ظهرت تختلف عما تم الاعتياد عليه حتى فى المجتمعات الغربية؟
يستحق البحث حول كل هذا مقالا جديدا.