الوطن
محمد صلاح البدرى
على هامش الأزمة!
(١) فى يناير من عام ١٩٧٧، وبعد انتصار ٧٣، وعقدين من الاشتراكية، كان السادات قد بدأ التحول الاقتصادى للرأسمالية وتحرير الأسواق، حينئذ اتخذ الرئيس السادات قراراً حاسماً برفع الدعم الحكومى عن بعض السلع الأساسية.

لقد كان السادات واثقاً من أن شعبيته وإنجازه التاريخى سيقنعان الشعب بانتظار ثمار الانفتاح الاقتصادى حتى تتساقط عليهم، لكن بشكل غير متوقع خرج الناس للشوارع معترضين على ارتفاع الأسعار، فيما نعرفه بأحداث ١٨ و١٩ يناير! لقد أطلق الرئيس السادات على ما حدث «انتفاضة حرامية» لكنه اضطر للتراجع عن قراراته وعاد الدعم مرة أخرى.

(٢) فى أعقاب سقوط الطائرة الروسية قامت الحكومة البريطانية بإصدار تصريحات تفيد بإجلاء رعاياها عن مصر بشكل فورى، الأمر كان مرتبكاً ويدل على تربص واضح من حكومة بريطانيا، فإجلاء المواطنين بهذه الصورة يصدّر صورة غير جيدة على الإطلاق للعالم الغربى، بل ويعطى انطباعاً بأن مصر قد أصبحت من المناطق الخطيرة فى العالم!

لقد رفض الرعايا البريطانيون الجلاء بهذه الطريقة، ولم ينصاعوا لقرار حكومتهم الفورى والمتسرع وقتها، فما كان من الحكومة البريطانية إلا أن عدّلت بيانها بأن رعاياها سيعودون فى المواعيد المقررة لهم!

لقد تراجعت الحكومة البريطانية عن قرارها استجابة لمواطنيها! ومن الذى لا يفعل؟!

(٣) فى أوائل فبراير الماضى، فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسى الإعلامى عمرو أديب بمكالمة هاتفية على الهواء فى برنامجه الشهير «القاهرة اليوم»، كان ذلك فى أعقاب الأحداث التى قام بها شباب الألتراس فى ملعب النادى الأهلى وهتافاتهم للمطالبة بالقصاص من المسئولين عن أحداث مذبحة بورسعيد، لقد دعا سيادته هؤلاء الشباب أن يكونوا مجموعة للاطلاع على التحقيقات كى يطمئنوا أن أحداً لن يفلت من العقاب، المداخلة الهاتفية وقتها أثارت العديد من ردود الفعل، البعض انتقد اهتمام رئيس الدولة بفصيل يعتبر إلى حد ما خارجاً عن القانون والنظام، بل وطالته خلال الأعوام السابقة العديد من الاتهامات بين البلطجة والأخونة، ولكن العقلاء ثمنوا تلك المكالمة وتلك الدعوة كثيراً، فلم يتخل الرئيس عن أولاده من الشباب، مهما كان انتماؤهم أو توجههم!

(٤) يمكن تعريف الحكومات بأنها تلك الهيئات التى تمتلك القوة والشرعية لفرض الترتيبات والأحكام والقوانين اللازمة للحفاظ على الأمن والاستقرار فى المجتمع وتنظيم حياة الأفراد المشتركة بما يضمن لهم حياة مستقرة، فالأصل فى عمل الحكومة هو رضا الشعب عنها وعما تصدره من تشريعات وقوانين، وما تبرمه من اتفاقيات، أى إن واجبها الأساسى هو الاستجابة لإرادة الناس، إنه عملها الأساسى بصرف النظر عن صحة تلك الاتفاقيات من عدمها، ولم يكن السيد رئيس الجمهورية استثناء أبداً، بل على العكس تماماً، فقد اكتسب شعبيته الجارفة التى أتى بها رئيساً بنسبة توافق لم تتوافر لغيره منذ ستينات القرن الماضى، إلا بالاستجابة للشعب!

نعرف جميعاً هذا، ويعرفه هو أيضاً!

(٥) لا شك أن الحكومة أخطأت بعدم الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود المصرية - السعودية إلا بعد التوقيع عليها من الطرفين، رغم أن عملاً طويلاً وشهوراً عديدة قد مرت على تلك المفاوضات، وبصرف النظر عن أحقية إحدى الدولتين الشقيقتين فى تلك الجزر، إلا أن توقيت الإعلان عن الاتفاق وطريقته لم تكن مناسبة على الإطلاق حتى فى نظر أشد المتطرفين حباً وولاء للنظام، إنها المشكلة الأزلية التى تعانى منها الحكومة منذ فترة طويلة، ولم تتخذ أى خطوات لحلها حتى الآن!

(٦) سيدى الرئيس..

إننا نراهن على حكمة سيادتك التى نعرفها جيداً، نراهن على إخلاصك لهذا الشعب الذى خرجت تحمل روحك على يديك من أجله، نراهن على وعدك للجميع بأنك جئت من أجل هذا الشعب فقط!

سيدى.. لقد خرجت أصوات من أبناء هذا الوطن الذى أقسمت سيادتكم على حمايته والحفاظ على وحدته تطالب النظام بالتراجع عن ذلك الاتفاق الذى تم، فهل يجدون لطلبهم صدى عندك؟

سيدى.. ربما كان هناك ما يمكنك عمله من أجل التراجع عن تلك الاتفاقية، أو حتى إرجاؤها لتحكيم دولى، فالبعض من أبنائك يناشدونك، ولم نعهدك من قبل صاماً أذنيك عنهم!

فسلاماً على من اتخذ خطوة للوراء ليحمى شعبه كما اتخذ خطوات للأمام من قبل لحمايته أيضاً، سلاماً لمن أنصت وينصت لأبنائه ولو كان محقاً، سلاماً للوطن، أولاً وآخراً وقبل أى فرد!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف