سليمان جودة
هذه الحصيلة فى البرلمان لها مقدمات
منظر الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، فى الجلسة العامة للبرلمان، يوم الثلاثاء الماضى، مثير للشفقة على الرجل، وعلى برلمانه، ونوابه، أكثر مما هو مثير لأى شىء آخر!
فالمفروض أن الجلسة كانت ستناقش بيان الحكومة، والمفروض أن البيان، كموضوع، يهم كل نائب فى البرلمان، كما يهمه أيضًا، أن يكون حاضرًا فى جلسة كهذه، ليبدى رأيًا فى البيان، أو يقول فيه وجهة نظر!
ولكن رئيس البرلمان فوجئ بأن الغالبية من النواب لم تحضر، ولم تهتم بالحضور، بل إن عددًا منهم قد انشغل عن البرلمان، وعن رئيس البرلمان بالأحضان مع زملاء له هنا، وبالمصافحات مع زملاء آخرين هناك، ولم يجد الدكتور عبدالعال مفرًا، والحال هكذا، إلا أن يهدد بمنح الثقة للحكومة، عن بيانها دون مناقشته، لأنه، على حد تعبيره، ملتزم بموعد محدد لمنح هذه الثقة، أو حجبها، وهو كما قال أثناء تهديده للنواب، لن يغامر بالانتظار حتى آخر لحظة من الموعد المحدد للتعامل مع البيان، من جانب مجلس النواب.
رئيس البرلمان لم يصدق نفسه، وهو يبحث عن النواب، فلا يجدهم، رغم أنهم يعرفون مسبقًا، أن الجلسة موعدها كذا، وأن موضوعها المهم هو كذا.. ولابد أن ناخبًا ممن انتخبوا النواب الذين لم يعيروا بيان الحكومة اهتمامًا، لم يكن يتصور، وهو ينتخبهم، أنهم سوف يتعاملون مع بيان حكومى مهم بهذا القدر من الاستهتار!
وحقيقة الأمر، أن الذى تساهل مع النواب، فيما أعطاهم من مزايا استفزت آحاد الناس وبسطاءهم، هو المسئول عن المنظر المحزن الذى عاشه الدكتور عبدالعال، وعشناه معه، تحت القبة!
فلقد أقر البرلمان فى مادة من مواد لائحته الداخلية، التى لم يوقعها رئيس الجمهورية بعد أن تكون ميزانيته رقمًا واحدًا، شأنها شأن ميزانية الجيش، وميزانية القضاء، وهو الأمر الذى لايصدقه المصريون فى عهد مهم حتى هذه اللحظة!
لايصدق المصريون أن يكون المجلس، الذى تقع عليه مهمة مراقبة أعمال الحكومة هو من يرفض أن يراقبه أحد، وهو من يجعل ميزانيته رقمًا واحدًا مصمتًا، دون ذكر أية تفاصيل عن بنود إنفاقها، ولا عن الوجوه التى جرى إنفاقها فيها.. والغريب أن المجلس عند مناقشة اللائحة، قد تمسك بهذه المادة بشدة، ورفض تعديلها، ورفض أن يكون الرأى العام فى البلد، ومعه الإعلام ومن ورائهما أية منظمة مدنية، طرفًا فى المساءلة عن الميزانية، وعن وجوه إنفاقها!
ليس هذا وفقط.. ولكن البرلمان أيضًا قد أقر أن تكون مكافآت أعضائه، التى تصل إلى 03 ألفًا للعضو الواحد شهريًا، معفاة من الضرائب!!
ثم ماذا بعد ذلك؟! وافق مجلس النواب كذلك، فى خطوة ثالثة، على تخصيص مبلغ 03 مليون جنيه قروضًا للنواب دون فوائد!
لا أحد بالطبع ضد أن يحصل نائب البرلمان على ما يكفيه كإنسان، ثم على ما يكفيه ليعيش حياة كريمة تمكنه من ممارسة عمله البرلمانى وهو مستريح.. ولكن هذا شىء.. وأن يجعل البرلمان من نفسه، كيانًا فوق الدولة تقريبًا، بهذه المزايا الثلاث التى ذكرتها شىء آخر.. فهى مزايا لم يكن أحد يتخيل أن يأتى برلمان 30 يونيو 2013، لينفرد بها، فضلًا عن أن يتمسك بكل مزية فيها إلى آخر مدى!
كيف يمكن للبرلمان، بعد انفراده بمزايا كهذه، أن يناقش مثلًا- مشروع قانون يضع نظامًا محكمًا للضرائب فى البلد، فلا يفلت منه جنيه واحد يكون مستحقًا للخزانة العامة للدولة؟!
وكيف يمكنه أن يقول إنه يراقب إنفاق الحكومة للمال العام، على مستوى كل وزارتها، ومؤسساتها، وأجهزتها، إذا كان هو نفسه، كبرلمان، يرفض أن يكون هناك رقيب.. أى رقيب.. على طريقة إنفاق موازنته، التى هى مال عام فى الأول وفى الآخر؟!
منظر الدكتور على عبدالعال فى الجلسة إياها لم يكن بالتالى غريبًا، لأنه يتسق مع كل ما هو سابق عليه، مما أشرت إليه!