جلال الغندور
الاستفتاء هو الحل انقسام مصرى.. وهدوء سعودى.. وترحيب إسرائيلى
>>السيسى لم ينجح فى حل الأزمة باجتماعه الذى حوّله لخطاب من طرف واحد وظل الرافضون والمؤيدون كلٌ فى معسكره
عندما تكتب عن أزمة جزيرتى تيران وصنافير تحتار من أين تبدأ، فالأزمة متوهجة فى الشارع المصرى، والصراع فيها أصبح مصريًا، بينما التزم الجانب السعودى بالهدوء، وأقصد هنا الجانب الرسمى، أما الجانب الشعبى السعودى فدخل فى مناوشات على مواقع التواصل الاجتماعى، ولنعترف أن كل ما قاله السعوديون كان مجرد رد فعل، ومن حقهم تمامًا أن يدافعوا عن وطنهم، وهو حق رفض المؤيدين لقرار السلطة المصرية منحه للمعارضين له... ويجب أن نعترف أيضًا أن الوضع الحالى أدخل الطرف الثالث فى هذه الأزمة هو الجانب الإسرائيلى الذى رحب بإرجاع أو منح (كما تحب) الجزيرتين للسعودية، والقارئ للصحف الإسرائيلية سيجد هذا الترحيب على المستويين الحكومى والشعبى على السواء.
كل هذا يؤكد الأزمة التى حاول الرئيس السيسى حلها باجتماعه مع الأسبوع الماضى والذى صمم على تحويله لخطاب من طرف واحد، فلم يقدم أى جديد فظل الرافضون والمؤيدون كلٌ فى معسكرهم لم يحسم أحدهما الصراع لصالحه.
ولأننى من المؤيدين لفكرة عدم اختراع العجلة من جديد كان لابد من عرض كيف حلت مشاكل أو أزمات الحدود داخل الوطن العربى، وهى بالمناسبة بالعشرات عكس ما حاولوا دائمًا التصدير لنا فى المدارس.
وإحقاقا للحق من الطبيعى جدًا وجود هذا الكم من الصراعات الحدودية فى المنطقة العربية خاصة أن حدود دولها تحددت قبل نشأة هذه الدول نفسها..!
فالحدود العربية تكونت عقب الحرب العالمية الأولى، وهزيمة الدولة العثمانية وتفكيك أقطارها، وبالتحديد فى 1924 وفق اتفاقية «لوزان»، والتى أدت إلى حصول بعض الدول على الاستقلال أو الاستقلال المنقوص كمصر والسودان ونجد والحجاز، ووضع البعض منها تحت الانتداب البريطانى كالعراق وفلسطين، والبعض الآخر تحت الانتداب الفرنسى كسوريا ولبنان.. وخضع البعض لنظام الحماية الفرنسية كتونس ومراكش والساحل، كما وضعت جنوبى شبه الجزيرة العربية وعدن تحت الحماية البريطانية.
بينما ظل عدد كبير من الدول العربية تحت الاحتلال الرسمى مثل ليبيا وإريتريا والصومال الجنوبى التى ظلت خاضعة للاستعمار الإيطالى والجزائر وموريتانيا والصومال الشرقى (جيبوتى) خاضعة للاستعمار الفرنسى،.. كذلك الصومال الشمالى للاستعمار البريطانى.
بالتوازى مع اتفاقية لوزان تمت بعض المعاهدات بين الدول المحتلة والمنتدبة كمعاهدة سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا وروسيا من أجل توزيع مناطق النفوذ فحولت الحدود الإدارية فى المنطقة العربية إلى حدود لها صفة سياسية، تفصل بين مناطق الانتداب.
بدءًا من 1941م بدأت الدول العربية فى الحصول على استقلالها حين أعلن استقلال لبنان، وفى عام 1943م حصلت سوريا على استقلالها.. وتتوالى بعد ذلك الاستقلال حتى عام 1976م حين انسحبت إسبانيا من الصحراء الغربية.
وفقا للتاريخ فعدد كبير من الخلافات الحدودية العربية تم حلها بعد صراع مسلح طويل مثل مشكلة منطقة الزبارة بين قطر والبحرين، والذى دخل الطرفان بسببه فى عدد من الصراعات فى عام 1937 وخلافات دولية فى 1986، ورغم تدخل السعودية فى 1987، وحصولها على موافقة الطرفين بشكل مبدئى على إطار مبادئ لحل الأزمة إلا أنها لم تحسم، ولجأ الطرفان لمحكمة العدل الدولية فى عام 1991، والتى أصدرت حكمًا بعد نحو 10 سنوات، وبالتحديد فى 17 مارس 2001.
كذلك أيضًا على سبيل المثال صراع واحة البريمى بين ثلاثة أطراف هى الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان، والذين ظلوا فى حالة من الشد والجذب من عشرات السنين تدخل بسببها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فى خمسينيات القرن الماضى لمساندة أطراف بعينها، ولم ينته الوضع إلا فى عام 1971 عندما تم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث بضم 3 قرى من الواحة لعُمان والسبعة الباقين لإمارة العين فى دولة الإمارات العربية.
والصراع السعودى الإماراتى القطرى وحالة الشد والجذب التى استمرت بين جدة وأبو ظبى حتى عام 2009، والأزمة الحدودية بين اليمن وعُمان، وكذلك بين الجزائر والمغرب، وكذلك الصراعات والخلافات التى ما زالت قائمة أبرزها طبعًا أزمة حلايب وشلاتين بين مصر والسودان.
كل هذا التاريخ يؤكد أن الأزمات الحدودية لا يمكن أبدًا أن تحل بقرارات فردية أو مباحثات ثنائية، وإن كنا كعرب نجد أننا بيننا تاريخ وعلاقات خاصة تؤدى إلى حل مشاكلنا الحدودية بشكل خاص ستجد أننى ضربت كل هذه الأمثلة لأزمات داخل الوطن العربى وكل أطرافها عربية فلم أذكر مثلًا أزمة الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، لأن الطرف الثانى من الأزمة هى إيران كذلك لم أضرب أمثلة بالصراع بين السودان وإثيوبيا أو بين ليبيا وتشاد أو بين موريتانيا والسنغال لنفس السبب.
إن كنا كمصريين نرفض تدخل أى طرف ثالث بيننا وبين السعودية، فلا يمكن أن تحل حدود الدول بين أفراد مهما عظم شأنهم أو مناصبهم خاصة أن الأزمة التى خلقتها جزيرتا تيران وصنافير كافية لزعزعت الاستقرار داخل مصر، وخلق أزمة شعبية بين شعبين كانوا أشقاء بالمعنى الحقيقى على مر العصور، والحل الأخير لإنهاء هذه الأزمة هو اللجوء للمصريين من خلال استفتاء العام وليقل الشعب كلمته.. خاصة أن لحدود الدول مسئولية تاريخية لا يمكن أن يتحملها فرد أو حتى مؤسسة مهما كانت منفردة بل يجب أن تكون بإجماع الشعب، وهو ما أقره الدستور المصرى فى المادة 151 منه، والذى نصت على أن قضايا السيادة يجب أن تتم وفقًا لاستفتاء شعبى عام.