مؤمن الهباء
شهادة -الأزمة .. والْـمَخْرَج
عندما تشكلت منظمة الوحدة الأفريقية في ستينيات القرن الماضي. كمنظمة إقليمية تجمع شتات الدول الأفريقية التي تحررت حديثاً من ربقة الاستعمار. كانت هناك معضلة كبيرة تفرض نفسها علي الزعماء المؤسسين في الاجتماعات الأولي هي مشكلة الحدود التي اصطنعها الاستعمار بين هذه الدول الناشئة.. والتي تعمَّد أن يترك فيها جيوباً متنازع عليها بين كل دولتين جارتين.. الأمر الذي كان ينذر بتحويل المناطق الحدودية بين الدول إلي ساحات حرب.
لذلك.. كان من أوائل القرارات التي تَوافَق عليها هؤلاء الزعماء المؤسسون الاعتراف بالحدود التي وضعها الاستعمار. واعتبارها حدوداً شرعية ونهائية. والتعامل بين الدول علي أساسها.. وهذا ليس من قبيل الاعتراف والرضا بالتقسيم. الذي وضعه المستعمرون. وإنما حقناً للدماء الأفريقية.. وتفويتاً للفرصة علي مَن راهنوا علي تحويل القارة السمراء إلي مجازر ودماء.. والاتجاه بدلاً من ذلك إلي التعاون والبناء والتعمير.. علي اعتبار أن أفريقيا وحدة واحدة.. يجب علي أبنائها جميعاً أن يعملوا علي تحررها ونهضتها.. عن طريق التعاون وليس التنافس والصراع.
وقد كان لهذا المبدأ دور مهم في تجنيب القارة ويلات حروب الحدود شاملة.. ومع ذلك اندلعت حروب حدود لا تُقارَن بما كان مخططاً له.. ومازالت هناك نزاعات ضئيلة علي جيوب صغيرة بين بعض الدول الأفريقية.. فقد كان المطلوب والمخطط أن تشتعل القارة بحروب لا تنتهي.. فتبدو شعوبها كما لو كانت قبائل متناحرة يأكل بعضها بعضاً.. ولا تعرف الأمن والسلام إلا إذا عاد إليها المستعمر الأوروبي والأمريكي "المتحضر" ليحكمها وينهب ثرواتها.
اجتازت القارة السمراء الاختبار إلا قليلاً.
والآن.. هل تستطيع جامعة الدول العربية أن تُصدر قراراً يعكس هذه الروح القومية السلمية لينهي كافة الصراعات الحدودية.. قراراً يقول إن الحدود العربية الحالية من الصعب تغييرها. أو العبث بها حتي لا تُثَار النعرات والصراعات. وإنما تُعالج هذه القضية الشائكة بروح عربية تُعْلي المصلحة العامة.. وتجعل التعاون بديلاً للتنافس الوطني.. وذلك بأن تستمر الحدود العربية الحالية علي هيئتها.. وفق ما هي عليه دون مطالبات ومُناكفات.. علي أن تتحول المناطق الحدودية أو الجزر المتنازع عليها إلي مناطق استثمار مشترك بين الدول الشقيقة. وسوق مفتوحة.. ومناطق صناعية وتجارية حُرة.. ومن ثَـمَّ نُحول حركة التاريخ من البحث عن الاجتزاء. أو اللجوء إلي التحكيم الدولي. إلي إقامة نماذج للوحدة العربية عن طريق توظيف المال العربي والأيدي العاملة العربية والقدرات العلمية والتكنولوجية العربية فيما يجمعنا وليس فيما يفرقنا. ويُشحن النفوس بالبغضاء.
وبالنظر إلي العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين الشعبين المصري والسعودي. يمكن جداً أن نبدأ بتطبيق هذا النموذج بوعي قومي علي جزيرتي "صنافير وتيران" فنحل أزمة انفجرت فجأة. ولا يعرف مداها إلا الله.. وأياً كانت النهاية في ظل التجاذب الحادث الآن. فسوف تكون العواقب وخيمة.. ويمكن أن يدفع الشعبان الشقيقان ثمناً باهظاً لهذا التجاذب إذا جاءت النتيجة لصالح شعب علي حساب الآخر.. لذلك فإن الحل الأمثل هو التعاون والمشاركة.. وتحويل "تيران وصنافير" إلي جنتين علي الأرض.. ولا يشعر المصريون أنهم انتصروا. ولا يشعر إخواننا السعوديون أنهم انهزموا.
الحكمة تقتضي أن نخرج من هذا الابتلاء الكبير دون خسائر.. فالأرض أرض عربية.. والاستثمار يكون لصالح الشعبين الشقيقين.. والمصلحة مشتركة.. فكروا يا أهل الرأي في هذا الاتجاه. الذي قد يكون مَخْرَجاً كريماً من الأزمة.. وربما يُقدم نموذجاً لحل مشكلة الجيوب الحدودية والجُزُر بين مصر والسودان. وبين أي دولة عربية وأخري.. فنحن في النهاية شعب واحد. وأمة واحدة.
دعونا نُطفئ النيران بالحكمة.