ايهاب البدوى
بعيدًا عن الجزيرتين والجسر
لن أدخل معترك جسر الملك سلمان وجزيرتى تيران وصنافير فقد قتلت بحثًا ولنقل بشكل أوضح قتلت - هريا - والمحصلة النهائية صفر كبير لا الجماعة الأولى قدرت تقنع الجماعة الثانية ولا الجماعة الثانية غيرت فكر الجماعة الأولى، وما زلنا فى مصر ندور داخل حلقات مفرغة محصلتها النهائية صفر كبير لكل الأطراف، كما أن من هو أعلم منى ولديه معلومات أكثر قد أدلى بدلوه وبالتالى لن أضيف جديدًا.
لكننى أتوقف عن زيارة الملك سلمان إلى مصر، وذلك عقب فترة شهدت «ركودا» فى العلاقات بين البلدين عقب وفاة الملك عبد الله وتولى الملك سلمان، فالأخير لم يضع الثقل السعودى بالكامل إلى جوار مصر، كما كان يفعل سلفه، بل فتح الباب أمام مصالحة سريعة مع قطر وفتح الباب السعودى أمام التعاون التركى، كانت الحسابات السعودية أن ثقل مصر السياسى والتاريخى قد انهار عقب ثورة يناير والبلد أمامها وقت طويل قبل أن تتماسك، وبالتالى يمكن التعويل على دور تركى يعوض غياب الدور المصرى، وكانت قطر هى عرابة هذا الاتفاق.
حالة الجفاء غير المعلن استمرت بعد تكوين التحالف العربى الإسلامى تجاه اليمن خاصة أن مصر رفضت المشاركة فى أية أعمال برية بل وكانت ترى حلًا سياسيًا للأزمة اليمنية إضافة الى الخلاف الجذرى حول الملف السورى، السعودية من جانبها لم تهتم كثيرًا بالموقف المصرى فالعتاد الحربى موجود والجنود على الأرض من باكستان ودول إفريقية وإسلامية موجودة والدعم السياسى الأمريكى يبدو من وجهة نظر سعودية حاضر بقوة، وهناك الحضن السياسى والعسكرى والاستراتيجى التركى، إذن كل الطرق كانت تؤدى إلى تهميش مصر والدور المصرى حتى حدث التحول الدراماتيكى، وهو إنهاء القطيعة بين إيران وأمريكا، وفك الحظر الاقتصادى عليها تزامنًا مع سعى تركى لتعميق العلاقات مع إيران بحثًا عن مكاسب اقتصادية محتملة مع حليف حضارى قوى.
السعودية التى تفاجأت بالموقفين الأمريكى والتركى كان لابد لها من أن تبحث عن حل فورى وسريع يعيد لها التوازن العسكرى والاستراتيجى أمام إيران، وبالتالى كان القرار السعودى بالسعى بقوة إلى عودة الدور المصرى -الخامل حاليًا - إلى الظهور وإلى القيادة - ولتكن مشتركة مع السعودية - عن طريق دعم اقتصادى لا محدود لمصر رغم الأزمة الاقتصادية السعودية، عادت المصالح لتتلاقى مرة أخرى بين مصر والسعودية بعد أن أيقنت أن العمق المصرى الاستراتيجى هو الأكثر أمانًا فى ظل عدة معطيات يفهمها متخذ القرار السعودى حتى لو لم يعلنها، أهم تلك المعطيات أن الجيش السعودى محدود القدرات، وأن دخول مستنقع اليمن أصبح لعنة لا يمكن الخروج منها بسهولة وتكاليفها باهظة، أيضًا لا يمكن المغامرة بصدام سعودى إيرانى محتمل فى المستقبل دون قوة عسكرية كبيرة وقاهرة قادرة على فرض الحماية كما حدث أيام الغزو العراقى للكويت - وقد يفسر هذا سر التسليح المصرى المميز والمكلف جدًا خلال الفترة الماضية، والذى يتساءل معظم المتابعين عن الممول لهذه الصفقات، وهى غالبًا السعودية والإمارات.
الحاجة إلى وجود مصر قوية هو ما دفع السعودية إلى تغيير موقفها بشكل سريع وعاجل من مشاهد ومانح بشكل محدود إلى داعم بشكل لا محدود والأشهر القادمة ستشهد تدفقات نقدية ومشروعات ضخمة - وهى مشروعات ربحية للصناديق السيادية فى السعودية والإمارات والكويت - هم فقط استبدلوا السوق المصرية بالسوق العالمية لأنهم سيحققون ربحًا فى السوقين فلماذا لا يربحون فى السوق المصرية ويدعمونه - يشيلوه لوقت عوزة- كما يقول أولاد البلد.
السعودية أيقنت أنه تم بيعها من جانب أمريكا لصالح إيران وأن البترول الذى كان عصا تهديد سعودية تحول إلى عصا عليها بعد أن انهارت أسعاره وأن التمترس بالدرع المصرى طوق نجاة للسعودية أمام أطماع إيران.
زيارة الملك سلمان التى استمرت لمدة خمسة أيام، وشهدت حضورًا أمريكيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا سعوديًا غير مسبوق رسالة غير مباشرة إلى أمريكا أنه قرر الاعتماد على نفسه وعلى محيطه العربى وأن مصر هى الورقة الرابحة فى لعبة التوازنات فى المنطقة خلال المستقبل القريب، والقريب جدًا.