مايكل عادل
الإعلام المُباع لا يُرَد ولا يُستبدَل
قيل من قبل إن تكرار الكذبة والإصرار عليها، مهما بلغت تفاهتها ومهما خانتها الحبكة، قد يؤدي إلى ترسيخها كأمر واقع، وقد تصبح لها جماهير وأتباع يبذلون كل غالٍ ونفيس من أجلها.
وبمرور الوقت قد يزداد حجم التأييد، ليبدأ المؤيد في دخول صراع من أجلها، ليصبح الباطل وجهة نظر وطرفًا شرعيًّا في المعركة ضد الحق، وهنا يبدأ ظهور فئة جديدة تقف على الحياد في ذلك الصراع، وبها يزداد طرف الباطل ثقلًا أمام الحق الذي لم ينتصر له الحياد، لنصبح أمام ثلاث فرق، والحق هو مجرّد فريق واحد بين فريقين آخرين.
في قضيّة جزيرتيّ «تيران وصنافير» المصريّتين، يقوم الإعلام الآن بدور الكاذب، الذي يستمر في ترديد كذبته بذات الصيغة ونفس التفاصيل وذات الحُجّة البليدة لمئات أو ربما آلاف المرّات؛ حتّى يفسح لها مكانًا في المستقبل القريب بين وجهات النظر، تلك الكذبة التي دُفِعَت فيها المليارات التي تمكّنت من شراء بعض الذمم بين الإعلاميين والشخصيات العامّة، لمجرّد حجز مقعد للزيف إلى جوار الحق، وتحويل من ينكر مصريّة الأرض إلى صاحب رأي ووجهة نظر أمام من يتمسّك بأرض بلاده، ليظهر بعد ذلك نموذج الحيادي الذي لا يقف مع الحق، وهو بذلك لا يجزم ببطلان الباطل.
وبمجرّد ظهور ذلك الفارس الحياديّ كفئة جديدة قد تُعد إنجازًا وسط الوضع المؤسف والتناحر ونهش الباطل للحق وخيانة الخطأ للصواب، قد يصفق بعضٌ من أهل الحق لهذا الحيادي الذي لن يسبّهم أو يهدد بنحر رقابهم، كما يفعل أهل الباطل، وقتها فقط سيبدأ الحق في الخضوع والمساومة على ذاته.
الحملة الإعلامية الخبيثة بتكرار الحديث عن أحقية مملكة آل سعود لجزيرتيّ تيران وصنافير المصريّتين، لا تهدف لإقناع الناس ولا تهدف إلى تجميل تلك الكارثة أيضًا، بل تهدف فقط إلى وضع يد الباطل على جزء من أرض الواقع، وحجز مساحة له في الفكر، وخلق حالة من الجدل بين مصريّة الأرض المصريّة وعدم مصريّتها، الإعلام هنا يقوم بدور الشيطان الذي يحوّل الخيانة إلى وجهة نظر تقبل الجدل والنقاش، يحوّل الحقيقة إلى أمر يحتمل الخطأ أو الصواب، ويحوّل أيضًا الوطن إلى حلَبة مصارعة بين المؤمنين بالأشخاص والمؤمنين بالوطن، بين من اتخذوا من الفكرة بوصلة ومن تأخذهم الكذبة إلى حالة الإنكار وتتقطّع بهم السّبُل للهروب من واقع أليم أصبح واقعًا للأسف.
الواجب الوطنيّ الآن ليس في تكذيب ذلك الإعلام ومحاججة أكاذيبه بالحجج والوثائق، وأيضًا ليس انتظار أن يفرّغ ذلك الإعلاميّ جيوبه وخزائن نقوده من الملايين التي حصل عليها ليبيع وطنه ويعلن توبته. الواجب الحقيقي هو المُضيّ في طريق الحق دون تراجع، والثبات على الهدف دون إتجار به، وتحديد الطريق دون النظر إلى الأصوات المُباعة ببخس الثمن.
الإعلام المضلل لا يهدف إلى محاربة أصوات الحق بقدر ما يهدف إلى مناطحتها فقط، وقد وصل الأمر إلى أنه من العادي أن يخرج مصريٌّ ليقول إن وجهة نظره هي التفريط في أرض مصر، دون أن يُحاكَم بتهمة الخيانة العظمى، حتى يصل الأمر إلى أننا حين نرى إعلاميًّا يستضيف أصحاب وجهتيّ النظر المختلفتين، ليقف محايدًا بين بيع الوطن وحماية أرضه، سيجد من يصفه بـ«المهني» و«الحيادي»، وهنا ستبدأ الكارثة.
فقط علينا أن ندوّن تلك الأسماء الآن أثناء السير في طريق حماية الوطن من البيع والعبث، فسوف نحتاج إلى مراجعة تلك القائمة ومطالعتها في يومٍ ما.