صادف أول أمس مرور 100 يوم على نهوض البرلمان المصري الجديد بمهمته في التشريع والرقابة، باعتباره السلطة التشريعية في البلاد، جرى العرف في العالم كله على تقييم الحكومات والبرلمانات، والتعرف على مؤشرات الأداء من خلال تقييم الأداء في 100 يوم، يراها العالم كافية للحكم على ما سيقدمه هذا البرلمان، وملامح أجندته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بوضوح.
تبدو المقارنة متعسفة بين برلمان الإخوان الذي لم يكمل مدة عمله، حيث بقى لخمسة شهور ونصف قبل أن تعاجله المحكمة الدستورية العليا بالضربة القاضية، وبرلمان 30 يونيو، لكن يمكننا أن نقارن بين البرلمانين على الأقل انطلاقًا من الأداء فى 100 يوم.
على مستوى عدد الجلسات أنجز برلمان الإخوان 61 جلسة في 29 يوم، أنتجت ثلاثة قرارات مهمة جدًّا لها علاقة بثورة يناير ومطالبها هي:
الموافقة على اقتراح بتشكيل لجنة تقصي حقائق عن موضوع قتل وإصابة المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير «لا نعلم أين هذا التقرير وإلى ما انتهى حتى الآن»، والموافقة على تشكيل لجنة تقصي الحقائق لاسترداد أموال مصر المنهوبة والمهربة الى الخارج، وتشكيل لجنة تقصي حقائق عن أحداث استاد بورسعيد.
في تقديري أن إجهاض كشف الحقائق حول القضايا الثلاث السابقة، كان في إطار ثورة مضادة لم تقف مراحلها حتى اليوم.
لم أسعد على المستوى الشخصي بأداء برلمان الإخوان، لكن في التقييم النهائي، بالرغم من المراوحة بين الأداء الثوري والمحافظ، والذي أفقد الإخوان عنصر المبادرة، ولم يحدد لها لونًا مميزًا يمكن محاكمة سلوكها على أساسه، إلَّا أن المقارنة بين هذا البرلمان وبرلمان علي عبد العال، بعيدًا عن الشرعية، التي لم تخدشها في نظر البعض نسبة التصويت، التى لم تتجاوز 25%، بما يعني مقاطعة 75% ممن لهم حق الانتخاب، لن نقارن نسبة التصويت بين المجلسين بالنظر لتبدل السياقات، لكن تبدو المقارنة مع ذلك في صالح برلمان الإخوان.
بعد 100 يوم من برلمان 30 يونيو: ماذا أنجز البرلمان؟ غير صراع اللجان النوعية بين كتل وائتلافات مصنوعة على يد الأجهزة، التي قدَّرت أن برلمانًا مشغولًا بنفسه أقرب إلى سيرك أو مسرحية وعروض بلياتشو، على حد تعبير الأستاذ عبد الحليم قنديل، الذي لا يمكن اتهامه بأنه من الإخوان أو من معارضي النظام الحالي، 54 جلسة للبرلمان في 100 يوم، ماذا أنتجت؟
الموافقة على 342 قانون صدرت في غياب المجلس، سواء في عهد الرئيس عدلي منصور أو الرئيس السيسي، وبعضها يتناقض بشكل صارخ مع ما قامت من أجله ثورة يناير.
رفض قانون الخدمة المدنية الذي كان محاولة مكشوفة للإيحاء بأن المجلس منحاز للناس وليس للنظام، لم تنطل على الجميع، باعتبار أن إصلاح الجهاز الإداري في الدولة كان من مطالب يناير، لكن ليس باستثناء الداخلية والقضاء وبعض القطاعات الأخرى المحظوظة، وإلَّا علينا أن نعيد تعريف الوظيفة المدنية!
إعداد قانون مشروع اللائحة الجديدة للمجلس
هل تلمح فيما أنجزه المجلس أي شيء له علاقة بثورة يناير، سوى بالنقض الذي عبر عنه أحد نواب المجلس، بإعلانه عدم إيمانه بالثورة وتفريقه بين ديباجة الدستور ونصوصه في أول جلسة لتكون نقطة البدء. وبالمناسبة تحدث الدستور عن الحقيقة والعدل، التي كانت تستوجب أن يشكل المجلس في أول انعقاده لجان تقصي حقائق حقيقية، لاستجلاء حقائق ما جرى في مصر من كوارث، منذ لحظة يناير وحتى انتخاب البرلمان، الذي تكلف الجلسة الواحدة له خزانة الدولة المنهكة 300 ألف جنيه، أي أنه في 54 جلسة كلف الدولة 16 مليون جنيه، ولازال الحبل على الجرار كما يقولون.
لم يناقش البرلمان بجدية حتى الآن ما يسمى ببيان الحكومة، الذي لا يعد بيانًا بحق، بل مجرد صيغ إنشائية ركيكة، منقولة حرفيًّا من بيانات حكومات مبارك، جاءت خالية تمامًا من أي جداول زمنية أو برامج لها علاقة بالدستور أو أولويات للإنفاق الجاد، مجرد أرقام عن كيلو مترات من الطرق ووحدات سكنية تعيد تعريف الإسكان الاجتماعي، باعتباره أحد أبواب الثراء الحرام لشرائح لم تشبع من مال الدولة الحرام.
والتفاصيل التي ينبغى أن تناقش كثيرة، لكنها لا تخفي أن هذا النظام بلا رؤية وبلا فلسفة أو خطة أو برامج أو سياسيين أو حتى تكنوقراط لافتين، نحن أمام نظام صمم برلمانه على مقاسه ضابطًا إيقاع كل الموسيقى المصاحبة، ليبقى هو كاتب الأغنية وملحنها وعازفها ومغنيها أيضًا، مهما كان الصوت نشازًا في مسيرة حكم هذا البلد، سيبقى جملة اعتراضية قد تطول لكنها لن تبقى. صدقوني هذا برلمان ولد ميتًا لم يعترف به جل قومه، ولم يقدم بسلوكه ما يرمم شرخ الشرعية، لذا نستطيع أن نقول مطمئنين إن هذا البرلمان سقط بعد 100 يوم، كانت فرصة سانحة ليعلن انحيازه حتى للفئة التى انتخبته، لكنه أهدر الفرصة، ليؤكد سقوطه الذي يبدو مقدمة عادلة لسقوط من صنعوه.