آخر ساعة
هالة فؤاد
ضربة قلم .. محنة
«كان نفسي أطمنكم».. قالها الطبيب بصوت خافت.. لم تصدمني كلماته اليائسة، فقد أدركها قلبي قبل أن ينطقها بكثير.. لم تفاجئني الحقيقة المفزعة لأنها سكنتني من زمن. عندما دخل علينا أبي من عمله متعبا.. كان الألم باديا علي كل ملامح وجهه. بدا أنه أقوي كثيرا من قدرته علي إخفائه كما تعوّد دائما. عرف المرض الخبيث طريقه للجسد العنيد. كان أشرس من أن يقاومه بإرادته الحديدية العصية علي الاستسلام. أعرف أن الأمر فوق قدرته وقوته التي كانت دائما مثار إعجابي به. كان دائما عنيدا صلدا مقاتلا في مواجهة الصعاب.. لم يكن طريقه سهلا وإنما مليء بالعثرات. لكنه نجح في اجتيازها جميعا وخرج منها قويا بل أقوي مما كان. كان يحكي لي فيزداد إعجابي وفخري به. هو ليس والدي فقط بل معلمي وقدوتي ومصدر قوتي وسندي في الحياة. لو كان المرض رجلا لقتلته. لكنها إرادة الله ولا راد لقضائه . ليس أمامي سوي التسليم بقدره والاستسلام لمشيئته. ومثلما كان الابتلاء صعبا كان اللطف بنا أكبر. ابتلي الله أبي بالمرض ولطف بي. لأنه يعلم أن قلبي لا يتحمّل مجرد التفكير في رحيله.. فما بالي بالرحيل المفاجئ. كان الله لطيفا رحيما بي وهو يدربني علي الفقد. تتغير صورة والدي يوما بعد يوم. لم يعد ذلك الجسد القوي ولم تعد لخطواته تلك الضربة الصلبة. لم يعد لصوته تلك النبرة الواثقة الآمرة. ولم يعد لروحه تلك المقاومة الصلدة. بل لم تعد لعينيه تلك النظرة اللامعة المحببة الأثيرة. حتي ذراعاه القويتان اللتان طالما ضمتني بحنان لم تعد قادرة علي مجرد لمس وجهي ومسح دمعتي التي أجاهد لأخفيها عنه. ما أقسي تلك الصورة الغريبة عليّ. كم تغيّر أبي لكن ما لم يتغيّر فيه تلك القدرة العجيبة علي قراءتي وفهمي والتسلل لأعماقي دون حديث. أحاول الهرب منه فيأبي ويصر علي النظر لوجهي. أتحاشي نظراته فيزداد عنادا. أرسم ملامح كاذبة أعرف أنها لا تخيل عليه. يشفق لحالي فيوهمني تصديقها. نبتسم وأقبض علي يديه أقبلهما وأهمس. ادعي لي. فيأتي صوته المحبب «ربنا يسعدك». وأهمس أنا «اللهم اشف كل مريض. والطف بنا في قضائك وقدرك». وأشارك صديقتي ووالدها الدعوة» اللهم آمين».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف