آخر ساعة
سلمى قاسم جودة
لحظة وعي .. الرجل‮ ‬يشتهي‮.. ‬والمرأة تحب
عرفت الحب لأول مرة في ‬حياتي ‬إنه كالموت نسمع عنه كل حين خبراً ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضر‮. ‬وهو قوة طاغية،‮ ‬يلتهم فريسته،‮ ‬يسلبها أي ‬قوة دفاع،‮ ‬يطمس عقلها وإدراكها،‮ ‬يصب الجنون في ‬جوفها حتي‮ ‬تطفح به،‮ ‬إنه العذاب والسرور واللانهائي»‮. ‬تلك هي ‬الكلمات المجوهرة لأديبنا العظيم نجيب محفوظ في ‬قصته‮ «‬نور القمر‮» ‬عندما‮ ‬يصف هذه العاطفة الساحرة،‮ ‬الجارفة،‮ ‬أو تلك الكيمياء‮ (‬المكهربة‮) ‬الصاعقة الهابطة من الأعلي‮ ‬إلي‮ ‬الأسفل ومن هنا كان التعبير الشائع بكل لغات الأرض‮ (‬الوقوع في ‬الحب‮) ‬ومن ثم‮ ‬يحاكي ‬العشق الفخ المحكم أو الهوة السحيقة التي ‬تبتلع‮ ‬أعتي‮ ‬الرجال وأجمل النساء‮.. ‬ولكن الرجل مختلف عن المرأة فالفجوة بينهما شاهقة وفادحة‮.. ‬الرجل تحركه الغريزة‮.. ‬هي ‬مملكته. في ‬بلاطها الآمر الناهي، ‬هو‮ ‬يسعي، ‬وروعة العلاقة ولا أقول حتي ‬استمرارها مرهون باشتعال رغبته فإذا ما خفتت أو خمدت كان فتور الوصال‮.. ‬غياب البهجة واللهفة المنعشة فيأتي ‬هادم اللذات ومفرق الجماعات في ‬العلاقات أي ‬الملل‮.. ‬الشبع والعزوف،‮ ‬ويوجد أنواع من الرجال بينهم العاشق المتسلسل‮! ‬أو ‮ ‬SERIAL LOVERS‮ ‬مثل القاتل المتسلسل بينما المرأة تحب من خلال مشاعرها ووجدانها بعمق بدأب فيطول عمر حبها ربما إلي‮ ‬الأبد بينما هي ‬بالنسبة للرجل قصة قصيرة قد تطول إلا قليلا أو كثيرا‮.‬
أعود‮ (‬لنور القمر‮) ‬يقول نجيب محفوظ‮: “‬وأعجب من ذلك كله أن‮ ‬يتحول خبير الأطعمة المتقنة،‮ ‬زير النساء إلي‮ ‬مجنون ملهم،‮ ‬يهيم في ‬دنيا الحب المترعة بالأسرار‮ ‬يخاطب بأنينه المجهول ويجد في ‬البحث عن لاشيء في ‬كل شيء في ‬ضياء الشمس،‮ ‬بهاء القمر،‮ ‬وهج النجوم،‮ ‬ثراء السحب،‮ ‬أريج الأزهار،‮ ‬سلاسة الماء فقد غطت نور القمر علي‮ ‬حياتي ‬وحياة الكون من حولي ‬وفي ‬بوتقة الهجران‮ ‬يبعث القلب ويتطهر ولو كان في ‬الأصل‮ ‬غليظا مشبعا بالإثم،‮ ‬وقد خبرت الضحك والسخرية والشهوات فأني‮ ‬لي ‬أن أعرف الشجي‮ ‬وأترنم بألحان الأسي،‮ ‬من الآن وإلي‮ ‬الأبد سأنتمي ‬إلي‮ ‬عالم‮ ‬غير عالم الناس،‮ ‬سأفتح ذراعي ‬للجنون والسفه وفي ‬سبيل الجنون المقدس تستحل كل حماقة‮”. ‬تلك هي ‬حال الرجل العاشق في ‬مرحلة القنص،‮ ‬الشوق والاستغراق في ‬لعبة الغواية أما إذا‮ “‬نال المراد‮” ‬الجسدي ‬أو النفسي ‬وتحولت الأنثي‮ ‬من هدف إلي‮ ‬عبء بزغ‮ ‬الخمول‮ ‬العاطفي ‬للرجل وطبيعته التعددية التي ‬تتوج بخطورة المضمون فلقد وقعت الفريسة في ‬الفخ،‮ ‬الرجال تشعلهم الرغبة لا المتعة،‮ ‬فالرغبة هي ‬المتعة المتخيلة فإذا ماخذله الواقع والتطبيق الحسي! ‬ولم‮ ‬يرتق‮ ‬الواقع إلي‮ ‬آفاق الخيال المُسكرة زهد الرجل العلاقة ولا‮ ‬يعني ‬الزهد الرحيل فربما تستمر العلاقة العاطفية أو الزوجية ولكن موات اللهفة وفقدان تأجج الحواس‮. ‬وعكس ما‮ ‬يعتقد البعض فالرجل أكثر تعطشا للخيال من المرأة فهو الكائن المحلق المولع بالترحال،‮ ‬هو‮ ‬يجنح للخفة‮.. ‬هي ‬تجنح للثقل‮.. ‬هو‮ ‬يسعي‮ ‬للتنقل‮ ‬يقضي ‬من المتعة وطرا‮.. ‬هي ‬تسعي‮ ‬للاستقرار بل أغلبهن ‬يعشقن كلمة إلي ‬الأبد،‮ ‬هو‮ ‬يعشق في ‬المطار علي‮ ‬سبيل المثال صالة السفر،‮ ‬الإقلاع‮!! ‬هي ‬تعشق الوصول‮!! ‬إذن هناك سوء تفاهم أزلي ‬بين الرجال والنساء ونموذج الأنثي‮ ‬المثالية حيث الفتنة المرصعة بالدهاء،‮ ‬المخيلة الثملة بالآفاق الرحبة،‮ ‬المتجددة هي ‬شهر زاد ألف ليلة وليلة فلقد فطنت أن لغة الجسد محدودة،‮ ‬محفوظة فتحلت بالثقافة،‮ ‬الحكمة وإغواء الخيال فلياليها موشاة بالحكايا المثيرة،‮ ‬الشائقة ومن ثم روضت شهريار الملك السعيد المتعطش دوما بوحشية طاغية‮ ‬ينحر العذراوات عند الشمس البازغة‮ ‬يلطخها بدماء الصبايا المليحات المكتفيات برتابة جمال الجسد وشح الفكر والثقافة،‮ ‬فكان أن روضت شهر زاد درة النساء الملك السعيد،‮ ‬الشهواني ‬أشبعت خياله النهم المسكون بالذائقة الذكورية الأزلية (فكل الرجال شهريار)،‮ ‬الولع بالطزاجة،‮ ‬بالدهشة،‮ ‬غير المتوقع،‮ ‬غياب اليقين المطلق‮.‬
وسألت‮ ‬يوما نجيب محفوظ‮: ‬ما هي ‬أثمن درة في ‬الوجود،‮ ‬الثروة، السلطة،‮ ‬الجاه،‮ ‬التحقق المهني،‮ ‬سكرة النجاح أم الحب؟ فأجابني ‬وهو‮ ‬يحكي ‬بيقين الحكمة وغزارة التجربة الحب هو أثمن ما في ‬الوجود‮. ‬وفي «‬الحب فوق هضبة الهرم»،‮ ‬سطر قائلا‮: “‬ما هذه البهجة المنعشة لقد وهبتني ‬ابتسامة مضيئة وبريئة كالوردة اليانعة تبادلنا الكلمات عند كل مناسبة ثم جادت بالابتسامة خلقت الابتسامة حياة جديدة‮ ‬غلفت الانفعال البهيمي ‬بعذوبة صادقة نمت الشجرة وتفرعت وتعذر أن تنعت بصفة واحدة وتساءلت أهكذا تتحول الغريزة إلي‮ ‬عاطفة؟ ما هذه البهجة المنعشة‮”.‬.
في ‬أوان العشق لا يوجد‮ ‬يوم‮ ‬يشبه الآخر فالحياة بدون حب هي ‬من الأبيض والأسود‮ ‬يقبل الغرام فيلونها بكل ألوان الطيف والكون،‮ ‬كل‮ ‬يوم تكتسي ‬بوهجة من الألوان تارة زاهية وتارة قاتمة،‮ ‬تترنح بين البهجة والأسي‮.. ‬الوصال والهجران‮.. ‬الخفة‮.. ‬والثقل‮.. ‬السرور والكدر‮.. ‬اليتم والدفء‮.. ‬الأمل واليأس‮.. ‬العزوف والشبق فدوام الحال من المحال هو دوار مسكر،‮ ‬فهو مرض غامض ميتافيزيقي بأعراض قد تحض علي الأذي بدافع الرغبة في التملك، يقول أوسكار وايد «نحن نقتل من نحب»‮.‬
اليوم أصبح عمر اللهفة،‮ ‬البهجة والأمان أقصر‮ ‬وأسرع،‮ ‬النرجسية،‮ ‬الأنانية والمادية نهشت في ‬جسد الهوي،‮ ‬فالحب في ‬زمن عبد الحليم والهيام الرومانسي،‮ ‬إيقاع الحياة،‮ ‬التابوهات،‮ ‬كلمات الأغاني ‬الأيام والليالي ‬الصادحة بتلك الروح الشاعرية،‮ ‬المرهفة المنثورة في ‬الهواء والنسيم الليلي ‬لزمن عبد الحليم أطالت عمر ألق العلاقات،‮ ‬الأمسيات المرصعة بالشجن‮ ‬غير المحتمل،‮ ‬الحنين لما كان ومالم‮ ‬يكن،‮ ‬الآن كل شيء متاح ومباح، أغنية‮ “‬أنا لك علي طول خليك ليا‮.. ‬خد عين مني‮..” ‬قد تثير السخرية بعدما تم إحلال رقة عبد الحليم وشاعريته والرغبة في ‬قسمة كل شيء علي ‬اثنين والترنم بنبل التضحية أصبح المطرب الآن أقرب إلي ‬بطل لكمال الأجسام‮!! ‬شيل الحديد والأوزان‮ ‬يليق به أو الآخر‮ ‬يحتاج لطبيب أنف وأذن وعملية‮ (‬لحمية‮) ‬وعذرا للتعبير بما هو أقرب مع احترامي ‬لكل المهن إلي ‬كفتجي ‬وبائع‮ (‬طرب‮) ‬فما الذي ‬يستغله هذا الذي ‬مكانه حلبة مصارعة لا مسرح لإيقاظ الخيال الهفهاف، والرجل أكثر خيالا من المرأة نعم بدليل أن إبداع المرأة في ‬الأدب،‮ ‬الفن التشكيلي ‬أسير تجاربها الذاتية لا خيالها، فريدا كاهلو،‮ ‬سيمون دي ‬بوفوار،‮ ‬مارجريت ميتشيل،‮ ‬الأخوات برونتي،‮ ‬أنابيس لين،‮ ‬والقائمة شاهقة‮.‬
أما الرجل فمولع بالتحليق،‮ ‬التغيير،‮ ‬الفرار من الواقع المكبل،‮ ‬المرأة تقتفي ‬أثر الأرض والرجل‮ ‬يتطلع إلي‮ ‬السماء،‮ ‬الهواء،‮ ‬والفضاء،‮ ‬المغالاة في ‬التركيز علي‮ ‬الرجل وأن‮ ‬يصبح كل كيان المرأة‮ ‬يدمر ألق العلاقة،‮ ‬سيدتي ‬الجميلة افتحي ‬نوافذك قفي في ‬شرفتك لتطلي ‬علي‮ ‬الوجود الرحب،‮ ‬الثري،‮ ‬احتفظي ‬بهواياتك،‮ ‬أصدقائك،‮ ‬اكتنزي ‬أحلامك وحقيقتها،‮ ‬كوني دوما بالنسبة للرجل هدفا ثمينا‮ ‬يسعي ‬إليه لا العبء الجاثم‮..‬
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف