الأهرام
جمال زهران
«جمعة الأرض».. وآليات وأد الفتنة
أصبح واضحا أن الحكومة وكبار المسئولين لم يأخذوا فى اعتبارهم ردة الفعل الشعبية على مسألتى «تيران وصنافير»،
وتصوروا أن الموضوع يمكن أن يمر فى سياق زيارة الملك سلمان، تشمل العديد من الاتفاقيات ووسط زفة إعلامية ودعاية سياسية غير مسبوقة، ولاشك أن كثيرا من المصريين على حسب اختلاطى اليومى بهم، قد استبشروا خيرا بهذه الزيارة واستحسنوا الوقفة السعودية مع الشعب والدولة ومصر الكبري، لدرجة أن ردود الأفعال كانت إيجابية فى العموم، واختفت الأصوات الرافضة للزيارة وسياسات المملكة اقليميا على وجه الخصوص. واستمر هذا الوضع يوما أو يومين، حتى جاء موعد إعلان اتفاقية جزيرتى «تيران وصنافير»، فنسى الشعب الزيارة وتفجرت ردود فعل رافضة، وتنامت حتى وصلت إلى تفجر الغضب وسط معارضة شديدة لهذه الاتفاقية.

وبدأت الدعوة إلى «جمعة الأرض» رفضا لنقل السيادة المصرية للجزيرتين إلى المملكة السعودية.

كما أن الرئيس السيسى سارع بالدعوة لعدد من الإعلاميين ورجال البرلمان، لشرح الأمر، نقله التليفزيون المصرى واقتصر على كلمة الرئيس التى امتدت لأكثر من ساعتين، دون نقل وجهات نظر الحضور أو استفساراتهم وكأن الحديث من طرف واحد. إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا إلا زيادة جرعة الإعلام الرسمى بسعودية الجزيرتين اتساقا مع حديث الرئيس والحكومة واستشهادا بما قيل عن الجيش والمخابرات والخارجية، دون أن يسمعهم أحد إلا نقلا عن السيد الرئيس، وهو محل ثقتى بلاشك.

وبدأت الفتنة تتسع بين سعودية ومصرية الجزيرتين، وارتفعت وتيرة الدعوة لجمعة الأرض، وكالعادة فان الحكومة رأت التعامل مع الموقف بلغة: «جمعة تفوت ولا حد يموت»، وأن عشرات محدودة ومعروفة سلفا ستتحرك، وحاول الإعلام الرسمى أن يقلل من شأن هذه الدعوات، والصاقها بالإخوان الإرهابيين على أساس أنهم خلف كل مشهد فى الشارع!! أى أن الحكومة استهترت للمرة الثانية فى موضوع أزمتى الجزيرتين، الأولي: عندما غاب عنها احتمالية ردة الفعل الشديدة عند الإعلان عن اتفاقية إعادة الترسيم ورد الجزيرتين إلى المملكة، والثانية: عندما استهانت ما يمكن أن يحدث فى «جمعة الأرض» فخرج الآلاف وليس مجرد العشرات حسب تقدير الحكومة والمسئولين فيها.

والسؤال هنا: كيف تؤتمن الحكومة على مصير الشعب وهى تتجاهله وتستخف بردود أفعاله؟! هل تشعر الحكومة بوجود الشعب أم أنها مازالت امتدادا لمبارك ونظامه العنيد الذى أوصله للسقوط تعتبر نفسها وصية على هذا الشعب وانه شعب قاصر لا يمتلك إرادته؟!

إن خروج مظاهرات فى عدد من المحافظات خلال «جمعة الأرض» وفقا لمؤشرات الديمقراطية وإلقاء القبض على (213) متظاهرا بتهمة التجمهر، يستدعى وقفة قوية وحاسمة من الرئيس السيسى، فتقديرى أن «جمعة الأرض» فاجأت الجميع وخروج الآلاف ظاهرة ايجابية لصالح الرئيس وليس ضده. فهو محل ثقة وتقدير الجميع، ولم تكن المظاهرات موجهة لشخصه، ولم يرصد فى المظاهرات اساءات شخصية له، وانما كل الرسائل موجهة فى اتجاه دعم السيادة المصرية على الجزيرتين (تيران وصنافير) ورفض الاتفاقية المبرمة مع السعودية، أى أن جمعة الغضب كانت موجهة ازاء موضوع، وليست ازاء شخص، الأمر الذى يقود حتما إلى مراجعة سريعة من جانب الرئيس للموقف، تفاديا لتداعيات لا يحمد عقباها مع استمرار الرفض الشعبى لاتفاقية نقل السيادة للجزيرتين.

ويمكن بلورة ما حدث فيما يلي:

1 ـ ان خروج الآلاف من انحاء مصر يوم «جمعة الأرض» لم يكن متوقعا، الأمر الذى فتح شهية الناس وهى حبلى بالغضب لأسباب عديدة، دون تحسب أو رد فعل حكومي، إلى الاستمرار فى ذلك فى ذات القضية وقضايا أخرى مثل المياه وسد النهضة، والأسعار، وتدهور أوضاع المعيشة، وانعدام فرص العمل للشباب.. الخ.

2 ـ أن «جمعة الأرض» كانت موجهة ازاء قضية وموضوع، ولم تكن موجهة ضد شخص الرئيس السيسي، وتفاديا للوصول لذلك، فان الصالح العام يستدعى التفكير الجدى من الرئيس بسرعة احتواء ذلك.

3 ـ أن «جمعة الأرض».. كانت كاشفة لحجم الغضب المحتمل فى النفوس، والذى اراد أن يبلغ رسالة مفادها، الأمر لم يعد محتملا فى ظل هذه الحكومة.

4 ـ أن ترك الأمر على هذا النحو، يرشح تناسى الأوضاع فى طريق تعميق الفتنة واحداث شرخ بين صفوف الشعب، يستوجب وأده وعلاجه بسرعة تفاديا للوصول إلى ما لا يحمد عقباه.

وختاما: أرى أن وأد هذه الفتنة بسرعة، يستدعى مبادرة على مستويين:

الأول: وقف تام وعاجل لاتفاقية نقل السيادة للجزيرتين إلى المملكة، وهنا يمكن شرح الأمر للمملكة، وبالتأكيد يتابعون الأمر باهتمام، ولوقف التطوع المصرى لاثبات سعودية الجزيرتين بوثائق مصرية عبارة عن خطابات متبادلة بين مصريين وسعوديين.

الثانى: تشكيل لجنة قومية من الرئيس، تكون وظيفتها البحث الجدى والهاديء فى هذه الأمور، ومراجعة دقيقة للموقف وكيفية التعامل معه مستقبلا، وعرض الأمر على الشعب، على أن تضم هذه اللجنة جميع الأطراف وأصحاب الآراء المتعارضة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف