التحرير
طارق الشناوى
الدولة ترمي بياضها!
هم يفكرون في الصناعة بمعزل عن الحرية رغم أنهما توأم سيامي، بعضهم ينتظر ما الذي سوف تمنحه له الدولة وفي هذه الحالة يقول سحقا للحرية، أتحدث مع الأسف عن قسط وافر من السينمائيين ولو اتسعت الدائرة لقلت المثقفين.

أول من أمس كان لقاء وزير الثقافة د. عبد الواحد النبوي مع كل من لجنة السينما وغرفة صناعة السينما، الوزير منذ أن اعتلى الكرسي وتحوطه الكثير من التساؤلات عن توجهه الاخواني ،كنت متأكدا أنه لا يمكن أن تأتي الدولة مهما بلغت من درجات العشوائية باخواني ولكنها تتوجه الى اختيار رجلا متحفظا يتوافق مع ملامح الزمن الذي نرى بوادره الان على الكثير من أوجه الحياة ، النظرة ضاقت جدا في محاولة لتوجيه الابداع بحجة أن كل ما نراه على الشاشة من موبقات يتم تصديره للشارع وعندما تتم تنقية الشاشة سنجد أمامنا الشارع المصري نظيفا من كل شئ وعلى "سنجة عشرة".

في اجتماع الوزير مع السينمائيين تجسدت أمامي صورة الدولة، هناك من يوافق ضمنيا على تلك المقايضة ، ولسان حالهم يقول ما ذا ستمنحنا الدولة في مقابل تنازلنا عن الحرية ، الدولة تريد فنا مهذبا معقما مقابل الدعم المادى الذي تقدمهم لهم وهم مستعدون للتنفيذ الفوري بعد أن ترمي الدولة بياضها.

عندما نتحدث عن الفن نُقطة الانطلاق كان ينبغي أن تتوجه أولًا للحرية مع الأسف نراها تبحث عن مزيد من القيود ولدينا مجتمع بطبعه يميل الى تطبيق الاحكام الاخلاقية المباشرة على الابداع ، قسط وافر من الفنانين لا يمانع ،الكل ينتظر الدعم الذي سوف تدفعه الدولة يريدونه مباشرا ولا ينبغي أن تسترده الدولة ، السينمائيون يقدم عددًا منهم رسائل للسلطة نحن سنقدم السينما التى تريدونها، الدعم في العادة لا يذهب لمستحقيه بل المفارقة أن الدولة شكلت لجنة قبل بضعة أشهر من أجل دعم الافلام واستعانت بعدد منهم وبعد أن وضعوا المعايير استقالوا لكي يتقدموا بعد ذلك بمشروعاتهم للحصول على الدعم الذي وضعوا هم شروطه المسبقة "كده عيني عينك " ،كيف من الممكن أن يستقيم هذا الوضع ؟ولكنه استقام ومع الأسف لم يعترض أحد ، وهو ما يفرض على الوزير الجديد اعادة النظر في الأمر برمته.

قلت لدكتور عبد الواحد في الاجتماع الذي حضرته مع السينمائيين، أن هناك احساس يتنامى بتناقص الحريات وأن المجتمع اصبح يعتقد مما صدره له الاعلام الرسمي والخاص أو الخاص قبل الرسمي أن الحرية مرادفًا للفوضي وأن عجلة الانتاج ستتوقف عن الدوران لو أطل ملف الحرية وعلينا أن ندفع بحجر الحرية بعيدا حتى تظل العجلة في انطلاقها.

رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بطبعه يميل للتحفظ في علاقته بالفنون، لا تنسي كلمته لأحمد السقا ويسرا "ربنا ح يحاسبكو"، وهو تعبير يدل على أن النظرة الأخلاقية هى التى يطل من خلالها الرئيس على الفنون وهو ما سوف ينعكس بالضرورة على البناء الهرمي للدولة من رئيس الوزراء الى وزير الثقافة الى الرقيب.

النظرة المتحفظة حتى لو كانت للرئيس لا ينبغي أن نعتبرها قانون، قبل نحو شهر تراجع بوتين عن اصدار قانون يمنع استخدام أى الفاظ أبيحة في الأعمال الفنية في روسيا، عندما اعترضت النقابات وكبار الكتاب هناك واعتبروه نوع من القيود التى تمارس على الفن.

نعم عدد من المخرجين يزيد من الجرعة لكي يضمن أكبر قدر من الأرباح ولكن التجربة أثبتت أن الجمهور يرفض الإسفاف، وهو الوحيد القادر على المواجهة عندما يشيح بوجهه عن الرداءة .

نعيش بين كأسين كلاهما مُر، دولة متحفظة في علاقتها بملف الحريات ومثقفين تعودوا على انتظار "البياض" الذي ترميه الدولة لهم ، وفي سبيل تحقيق ذلك سوف يبيعون كل شئ وأوله الحرية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف