كان الرعب هو سيد الموقف فى عربة المترو بمجرد أن دخل هذا الشاب.. يمتلئ وجهه بآثار معارك حديثة نسبيًّا، ويرتدى «تيشيرت» نصف كم، مما جعل الجميع يتأمّل هذه العلامات الواضحة لضربات مطواة أو سكين بطول ساعديه، كل ما فيه كان يعطى انطباعًا واضحًا عن مجرم عتيد وبلطجى يمارس دوره الطبيعى فى قتل الناس وسرقتهم فى عز الضهر.
كل راكب -وأنا منهم- يدعو الله أن تأتى محطته ويصل إلى رصيف السلامة قبل أن يتهوَّر الشاب و يدوّر الضرب فى الركاب.. جلس الشاب ببساطة بجوار رجل ملتحٍ بسيط تبدو على وجهه أمارات الوداعة والطيبة، مال الرجل على الشاب فى بساطة ومحبة: ألف سلامة عليك، من إيه ده كله؟ ، خرج صوت الشاب وديعًا مسالمًا تسمعه كل الآذان المنصتة برهبة الله يسلمك يا حاج.. والله يا حاج همّ اللى هجموا علىّ فى حتة مقطوعة، وقالوا لى هات الموبايل والفلوس، وأنا الفلوس دى مش بالساهل ولا الموبايل، ده أنا طالع روحى فيهم، وقلت فى سرى يعملوا اللى يعملوه بس أبقى راجل وماحدش يثبّتنى، والحمد لله ربنا قدّرنى عليهم وضربتهم بس همّ عوّرونى فى إيدى ووشّى.. ربنا ع الظالم .
فى لحظة تبدّلت نظرة الناس إليه، خصوصًا عندما هلَّت علينا سيدة ممن يسألن الصدقة، صمّ كل الركاب آذانهم عنها، ربما تحجّرت قلوبهم بفعل الحاجة وضيق الحال أو بفعل ملل التكرار أو بفعل قسوتنا الطبيعية الآن على بعض.. الوحيد الذى التفت إليها هو هذا الشاب.. أخذ يفتش فى جيوبه حتى وجد مأربه.. دعت له السيدة.. وضع وجهه فى الأرض صامتًا.. أتت محطته.. ونزل بهدوء ذلك الذى ظنّه الركاب بلطجيًّا، بعد أن ترك فى العربة عشرات ممن يظنون أنفسهم ملائكة!