الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
الصالون الثقافي
لا شك أن فكرة الصالون الثقافي فكرة تستحق التقدير. وأنها أسهمت في القديم والحديث في تنمية الوعي الثقافي
وتمتد جذورها إلي العصرين الأموي والعباسي. حيث مجالس الخلفاء. والأمراء. والولاة. والأعيان. والوجهاء. والعلماء. والأدباء. ولكم حدثتنا كتب الأدب والتاريخ عن مجالس عبد الملك بن مروان وخلفائه. ومجالس الرشيد والأمين والمأمون التي ذاع صيتها في الآفاق. وكانت مجالس بعض النساء الفضليات كمجالس سكينة بنت الحسين محط الأنظار وموئل المثقفين.
وفي عصرنا الحديث كان صالون العقاد. وصالون مي زيادة. وصالون أ.د/ محمد حسن عبدالله. وغيرهم من أهم المكونات الثقافية والأدبية التي تشكل الفكر والوجدان.
وقد كانت هذه المجالس والصالونات قديما وحديثاً زادا سياسيا وأدبيا وثقافيا كبيرا ومؤثراً في حركة المجتمع.
وتتميز ثقافة الصالونات بأنها ثقافة المواجهة. ثقافة الفكر. ثقافة الرأي. ثقافة البناء والنقد البناء. وثقافة العلن. في مواجهة ثقافة الظلام. وثقافة الخفافيش. وثقافة الهروب. وثقافة التنظيمات الارهابية والتكفيرية.
ويكفي أن أذكر أنموذجاً واحداً مما دار في مجلس المأمون مع النضر بن شميل المازني حيث يقول: كنت أدخل علي المأمون في سمره. فدخلت عليه ذات ليلة. فأجرينا الحديث إلي أن أخذ المأمون في ذكر النساء. فقال: حدثنا هشيم. عن مجالد. عن الشعبي. عن ابن عباس. قال: قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد "بفتح السين" من عوز". فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هشيم. حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن علي بن أبي طالب أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" قال: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد "بكسر السين" من عوز" وكان المأمون متكئاً فاستوي جالساً فقال: يا نضر كيف قلت سداد؟ قلت: يا أمير المؤمنين السداد هنا لنحن قال: ويحك أتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم- وكان لحانة- فتبع أمير المؤمنين لفظه. قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السداد "بفتح السين" القصد في الدين والسبيل. والسداد "بكسر السين" البلغة. وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد. قال: وتعرف العرب هذا؟ قلت: نعم. العرجي تقول:
أضاعوني وأي فتي أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له. ثم أطرق مليا. ثم سأله عن أخلب بيت قالته العرب. وعن أنصف بيت. وعن أقنع بيت. والنضر يجيب بما يستحسنه المأمون. فأخذ المأمون القرطاس وكتب له كتاباً. وقال لخادمه: تبلغ معه إلي الفضل بن سهل. يقول النضر: فأتيت الفضل بالكتاب فقال يا نضر: إن أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم لحن هشيم- وكان لحانة- فتبع أمير المؤمنين لفظه. وقد تتبع الفقهاء. فأمر إلي الفضل بثلاثين ألفا. فأخذت ثمانين ألفا بحرف استفادة مني.
فتحية لصحيفة الجمهورية لإقامة هذا الصالون الثقافي الشهري. ونتمني له أن يكون إضافة حقيقية فكرياً وثقافياً. وأن يسهم في معالجة القضايا العصرية والحياتية المهمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف