تعددت وطالت اللقاءات بين «مختار» و«أمل»، فى كل مرة كان يلتقيها كان يتأكد لديه إحساس يسر به إلى نفسه، ولا يجرؤ على البوح به لأحد.. واضح أن «أمل» تنظر إلى الناس فى السبيل بنوع من الاستعلاء. نظرة السائح الذى تستهويه المناظر العجيبة، وإن نظر إليها من أعلى!. تحاول بعد أن تتفرج أن تخطئ أفعالنا وسلوكنا. إنسانة عجيبة تستقبل الأحداث فى البداية بوجدانها فتتعاطف وتقبل، ولكنها سرعان ما تعكس الحدث على مرآة عقلها فتنقد وتفند!. إنها تتهمنى بالنظر إلى أهل السبيل باستعلاء!. إنها لا تفهمنى!. إننى أحبهم، لكننى لا أحب الاقتراب منهم!. لم أعتد على ذلك. لم أعتد على الاقتراب ممن أحب. حتى «أمل» أحببتها من بعيد، ولو لم تقترب منى لظللت هناك أقف وأنتظر. لا أفعل شيئاً أكثر من ذلك. إننى أفهم أهل السبيل جيداً، ولكنهم بسطاء يصعب عليهم فهمى. سأحدثهم بلغة لا يفهمونها. لأن آخر شىء يحبونه فى الحياة هو التفكير. نعم!.. إنهم يتحركون بشكل آلى لا يتوقفون ولا ينظرون ولا يتأملون، لذلك فإن حياتهم لا تتطور. لأنهم لا يريدون لها أن تتطور. إنهم يشعرون أن كل شىء بخير، أن شيئاً لا يستحق التغيير. راضون!.. دائماً فى حالة رضاء. هم آلات والآلة لا تتطور.. إنها تحتاج دائماً إلى من يطورها، بل إن الآلة قابلة للتطوير أكثر منهم لأنها لا تملك حق الاعتراض. أما هم فيعارضون التطوير، ويرفضون التغيير. لأنهم مقتنعون بأن الذى يعرفونه خير وأعز لهم مما لا يعرفونه.
طيب جداً والله أخى «طارق»!.. إنه يظن هو ومن معه أن بإمكانهم تغيير الناس، تحويلهم إلى جنود فى صف الدعوة، تمهيداً لتغيير المجتمع كله بل العالم أجمع بعد ذلك. آه!.. ما أعذب الحلم وما أقسى الواقع!. تغيير العالم عبارة يصرخ بها «طارق» فى وجهى. يتحدث بمنتهى الثقة وهو أعجز ما يكون عن تغيير «فهمى» أخيه ابن أمه وأبيه. إنه وإخوته يظنون أنهم أثروا فى الناس لأن البعض يتبعهم. لا!.. المسألة ليست هكذا.. لقد نزلوا فقط الملعب المضمون: ملعب الدين، لأنهم يعلمون تأثيره على الناس!. تعلموا درس التاريخ جيداً. لقد أرسل «هتلر» منشورات إلى مصر موقعة باسم الحاج محمد هتلر.. أراد أن يتاجر بالدين، كما فعل «نابليون» من قبل.. الكل يتاجر.. «طارق» ورفاقه يتاجرون.. حتى الأطفال الصغار التابعون لهم يتاجرون!.. ولكم ضحكت كما لم أضحك فى حياتى عندما صادفت طفلاً يدخل إلى المسجد رافعاً صوته بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم خرج بعد قليل وهو يحمل فى يده ساندويتش يغيظ به عدداً من الأطفال ويسبهم قائلاً: هيا يا أولاد الكلب يا جعانين!.
الدين والإيمان إحساس جميل يحبه الناس.. ولكـن ويل للدين من الناس.. ويل للمحبوب من حبيبه!.. وويل للاثنين من العاذلين!.. الحبيب يقتل من يحب بالغيرة!. أما العاذلون فإنهم يقتلون الاثنين بالفتن!. آه فتن كقطع الليل المظلم. فتن تجعل الحليم حيران.