جمال زهران
ضوء أحمر فتنة «الجزيرتين».. وتداعياتها
المشكلة الآن منذ زيارة الملك سلمان ـ ملك السعودية ـ وما صحبها من توقيع (١٧) اتفاقية، الأهم والأخطر واللافت للنظر هو اتفاقية نقل السيادة والملكية لجزيرتي تيران وصنافير من مصر إلي السعودية، هي أن ما ترتب علي هذه الاتفاقية من فتنة سياسية اجتاحت البلاد. ولم تتوقف حتي الآن في الإعلام وفي الرأي العام رغم محاولات إغلاق الملف.. إلا أنه من الواضح ان القضية لن تتوقف إلا إذا حسمت بتأكيد السيادة المصرية مرة أخري، لتظل العلاقات المصرية السعودية شعباً ودولة هادئة، وإلا فإنها معرضة لشرخ لن يلتئم. ولعل قراءة تحليلة لما حدث قبل الإعلان عن الاتفاقية، وما يحدث حاليا، وما يحدث مستقبلا، تقود إلي ضرورة تفادي الكوراث المحتملية علي الأمن القومي المصري والدور القيادي لمصر الذي تجمد بفعل فاعل ويحاصر حاليا بفعل فاعل يستوجب التنبيه إليه للصالح العام.
١ـ ثبوت التحضير السري لهذه الاتفاقية، وهو ما أكده الرئيس السيسي نفسه حينما قال إن ثمانية أشهر من العمل، وقال مسئول بمجلس الوزراء إنها «ست سنوات» وأنا أصدق السيسي في قوله، لكن الأهم هو أطراف هذا التحضير. فالثابت الآن أن التحضير تم بمشاركة أربعة أطراف هي: «مصر ـ السعودية ـ إسرائيل ـ أمريكا». وأكد ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي، ومتحدث باسم أوباما والبيت الأبيض، وكذلك وزير خارجية المملكة دون توضيح من مصر في هذا الجانب، ولكن الصمت المصري أكد صدق ما يقال من أن مباحثات ومفاوضات تمت بشكل رباعي مباشر في الأغلب. وهو الأمر الذي يؤكد أن وجود أطراف أخري خارج مصر والمملكة، يشير إلي عدم قصر الأمر علي وثائق السيادة من عدمه، لأن السيادة مصرية علي الجزيرتين.
٢ـ ثبوت إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد بتوسيع أطرافها ودخول المملكة العربية السعودية فيها حال نقل سيادة الجزيرتين من مصر إلي السعودية، أي أن مصر قد أصبحت بهذه الاتفاقية جسر التواصل العربي الإسرائيلي، بدلا من السعي نحو نسف كامب ديفيد وإقامة الدولة الفلسطينية وتحريرها من الاستعمار الصهيوني.
٣ـ فقدان مصر أحد مراكز النفوذ والقوة، بفقدان السيطرة علي الجزيرتين وبالتالي فقدان التحكم في مضيق باب المندب والذي يجعل إسرائيل تحت السيطرة والحصار حتي لو تم السماح لها بالعبور منه وفقا لاتفاقيتي كامب ديفيد، إلا أن مصر ستظل هي رمانة الميزان والقوة الفاصلة في إدارة الصراع العربي الصهيوني من قبل وحاليا ومستقبلا. ولذلك فإن نقل سيادة الجزيرتين يفقد مصر أحد أهم عناصر التحكم والسيطرة، وأن القائلين بغير ذلك، إما أنهم لا يفهمون أو يطبلون أو يجاملون أو يسايرون الأوضاع، عندما يقللون من شأن الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين بالقول، إنهما منعدما الأهمية!
٤ـ احتمالية إقامة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة داخل الجزيرتين، وهو الأمر الذي سبق لمصر أن رفضه في عهود مختلفة، ومن ثم فإن إقامة قواعد أمريكية في الجزيرتين، يسهل من السيطرة الأمريكية علي المنطقة بأسرها، وتضمن حماية أمن إسرائيل واستمرارها للأبد، وتقضي علي حلم الدولة الفلسطينية، والإسهام في تركيع الشعب الفلسطيني واغتيال حلمه للأبد، فضلا عن القضاء علي البقية المحتملة لدور مصر فعال، ويصبح الحديث عن ذلك لغوا وجعجعة بلا طحن!
٥ـ عودة الحديث مرة أخري عن البدء في مشروع شق قناة منافسة لقناة السويس (العقبة ـ البحر المتوسط) باتفاق الأردن وإسرائيل، ليس مصادفة، فرغم معرفتنا الكاملة بالصعوبات العملية لهذه القناة، إلا أن المال والتكنولوجيا والمصلحة الاستراتيجية، قد تلعب دورا في تنفيذ هذا المشروع، وحال ذلك فإن قناة السويس المصرية القديمة والجديدة، ستتأثر بلاشك، ونكون قد ساهمنا في إيقاع الضرر بأنفسنا.. لتحاسبنا الأجيال القادمة عليه.
ـ تلك هي النقاط الخمس الغائبة عن الحوار الدائر الذي وصل إلي الفتنة السياسية الواجب وأدها فورا بإلغاء الاتفاقية ووقف العمل بها، وعدم تصديرها إلي برلمان ضعيف، يوسع من الفتنة أكثر، وسيضر بالمصلحة العليا للبلاد، وتداعياته علي الأمن القومي المصري والعربي والقضية الفلسطينية بلا حدود اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد.
ومازال الحوار متصلا