الأهرام
حسن المستكاوى
ستوانا فى كرة القدم هو : لامستوى !
علمتنا كرة القدم ألانتوقع نتيجة . وأن الشك فى نتائج المباريات هو ما أضفى عليها بهجة ومتعة بالإثارة . وعلمتنا كرة القدم المصرية ، بمنتخباتها وأنديتها الحكمة ، والفلسفة .. وإذا سألت : ماهو مستوانا فى كرة القدم ؟ لن تجد إجابة قاطعة واحدة من أى مدرب أو خبير أو ناقد ..لأن مستوانا فعلا هو : لامستوى ..!

هذا يشبه أن فى مصر أحيانا تجد " الحاجة وعكسها " . وهذا يذكرك بمقولة مصرية شهيرة : " المعدن المصرى يظهر فى وقت الشدة " .. وهى جملة تتردد كثيرا ، إما لأننا ناس يعشقون المعجزات ، وإما أننا نهرب من مسئوليات يومية وحياتية مجهدة وننتظر الشدة فى المناسبات كى نردها وننتصر عليها .. هذا هومستوانا ..

فى المانشيت الرئيسى الإجابة القاطعة . إلا أن بعض الإجابات القاطعة قد لاتكفى ويفضل أن يكون معها دليل . ولست فى حاجة لأن أذكركم بمئات المباريات ، والمواقف ، والنتائج الغريبة التى تفوق فيها الفريق المصرى تماما على منافسين أقوياء للغاية . ثم تجده يخسر فى اليوم التالى أمام منافسين ضعفاء . وأعود بكم إلى جنوب إفريقيا عام 2009 فى بطولة القارات .. هل تذكرون ماحدث ؟

أذكر أننا وضعنا أيدينا على قلوبنا . ففى الوقت الذى كنا نخشى فيه أن يتلاعب فريق البرازيل وإيطاليا بفريقنا ، ويكون المنتخب جسرا يعبرا فوقه بسلاسة ، قدم المنتخب الوطنى مباراة رائعة من جميع النواحى أمام البرازيل وسجل المنتخب ثلاثة اهداف ولكنه خسر وهو لايستحق الخسارة بضربة جزاء فى اللحظة الأخيرة من المباراة .. وكانت "هزيمة بطعم الفوز " أو( بطعم الكاتشب ) كما يحلو لمن يبررون الهزائم ويرغبون فى إعتبارها فوزا . ثم تلاعب المنتخب بفريق إيطاليا بطل كأس العالم 2006 وفاز بهدف نظيف ، وعندما إنتهينا من الفريقين الكبيرين وإحتفلنا ، وفرحنا ، وإنتشينا .. توقعنا أن نفترس المنتخب الأمريكى أضعف فرق المجموعة ، الذى يمثل دولة كبرى تعرف كل شيء ، وتملك كل شيء ، وتتفوق فى كل شيء ماعدا كرة القدم ، وكتبنا فى خيالاتنا عناوين تتحدث عن فوز مصر على أمريكا ، كأننا سنصعد إلى القمر .. وللأسف غابت عنا الحكمة وقتها التى تعلمناها من فرقنا . فقد كانت الخيبة كبيرة والصدمة قوية . إذا تفوق المنتخب الأمريكى وقدم عرضا فى كيفية الهجوم المضاد السريع ، وبدا أن تشكيله مكون من كائنات فضائية تجرى بسرعة ولاتتوقف ، وتقفز أعلى ولاتهبط ، وتركل الكرة بلايأس ، وتسجل الاهداف ببساطة ..

لعبنا أسوأ المباريات ، وكنا نتوقع أقواها وأفضلها . ونسينا مافعلناه أمام البرازيل من إبداع ومهارات وشجاعة ، وخطط وتكتيك ، فأمام الفريق الأمريكى لم نفعل شيئا ، وكانت هناك مساحات ، وكانت بعض جوانب ملعبنا شوارع وميادين ومارس دفاعنا هوايته فى القفز إلى أسفل ، وغابت التمريرات القوية والدقيقة . وجرى لاعبونا خلف الكرة ، وبجوار الكرة ومع الكرة وجرى أيضا من الكرة وغاب الأداء الجماعى وطغت الفردية والعشوائية .. وتساءلنا جميعا كيف أصبح الفريق المصرى العالمى أمام البرازيل محليا أمام أمريكا ؟!

أذكر بالطبع ولعلكم تذكرون أن الإعلام مرأة للمجتمع وللملعب المصرى وأن العكس صحيح ، ففريق الأبطال ، الذين كانوا ندا لمنتخب البرازيل وهزموا إيطاليا ، تحولوا إلى لاعبين محليين ، وخائبين . فعندما تكون بدون مستوى . يكون رد الفعل بدون مستوى أيضا .

وأذكركم أننا فزنا بكأس إفريقيا ثلاث مرات على التوالى بأحسن أداء . وأننا عجزنا عن التأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا نفسها ثلاث مرات متتالية . وأذكركم أننا حين فزنا بكأس الأمم فى عامى 2006 و2008 تراجعنا فى مباراتين مهمتين فى تصفيات كأس العالم .. وحين كنا أبطال القارة فى عامى 1957 و1959 على التوالى خسرنا فى البطولة الثالثة أمام إثيوبيا وخرجنا بخفى حنين ، وبررنا ذلك بأرتفاع هضبة الحبشة عن سطح البحر ، وبأسود جلست بجوار الإمبراطور هيلاسيلاسي. وظل الإرتفاع عن سطح البحر مبررا وسببا لهزائم حتى لو كانت وقعت تحت سطح البحر بمائة متر ، ثم أخترعت درجات الحرارة المرتفعة ، ثم البرودة الشديدة ، ثم الجفاف ، ثم الأمطار الشديدة ثم رحلة الطيران الشاقة ، ثم التحكيم . فيما نسى الجميع الأسود ، لأن الإمبراطور كان قد رحل . وعندما نظمنا كأس الأمم الإفريقية على أرضنا عام 1974 وتوقعنا الفوز بها خسرناها . وعندما عدنا ونظمنا كأس الأمم عام 1986 فزنا باللقب بدعاء الكروان ، وبفضل كانا لاعب الكاميرون ..

وعندما سافرالمنتخب إلى بوركينا فاسو ودعناه بقصائد الخوف من الهزائم فعاد حاملا كأس النصر وخرجت الأمة لاستقباله ..

ويوما ما هزم الزمالك ديربى كاونتى وويستهام بطل إنجلترا 5/ 1 .. ويوما ما هزم الأهلى بنفيكا بطل أوروبا 3/2 .. ويوما ما تعادل المنتخب مع هولندا فى كأس العالم 1/ 1 ..ولعب بطريقة : " والله زمان ياسلاحى " أمام أيرلندا .. وهذا بخلاف أنك المنتخب الأكثر فوزا بكأس الأمم الإفريقية ، والأندية الأكثر فوزا ببطولات إفريقيا ، لكنك تملك منتخبا يعانى كى يصل إلى كأس العالم . وتخرج من تصفياته مبكرا ، وباتت كل مباراة بالنسبة لفريقك سواء منتخب أو ناد : عنق زجاجة . وأصبحنا نحلم بمباراة تعد زجاجة بدون عنق . فكل المباريات تحتمل كل الأشياء وكل النتائج . وإذا سألت مشجعا لفريق عن توقعاته لأى مباراة ، ستكون الإجابة غالبا كلها دعاء : "يارب .. ربنا يستر .. ربنا معانا .." .. أو ستكون الإجابة هى : "ممكن نكسب .. وممكن نخسر " .. وهل تلك إجابة ؟!

ڈبدون شك هناك فروق إرادية وبدنية وثقافية بين لاعبنا واللاعب الأوروبى . وهى فروق دائمة لكنها تتكشف فى المناسبات وفى البطولات وفى التحديات ..فاللاعب المصرى يمكنه أن يتفوق على البرازيل وإيطاليا وهولندا واسكتلندا وإنجلترا فى مباراة . لكنه لن يكرر هذا التفوق مع نفس الفرق فى 10 مباريات .. وهناك فروق فى التدريب ومستوياته العلمية ، وفروق فى اللياقة البدنية والصحية والنفسية ، ولاعبنا المحترف مازال يحتاج إلى الدوافع كى يجيد ويتألق ويتحمس ، واللاعب الأخر فى العالم الأخر لايحتاج لمن يدفعه إلى التألق والإجادة لأنه بعقلية وثقافة المحترف يعلم جيدا أن عليه أن يعمل بجد ويلعب بجد ، لأن تلك مهمته ، ولأن هذا واجبه ، ولأنه لذلك يتقاضى راتبه .. بينما لاعبنا يجد من يبرر له تقصيره بأن تلك هى طبيعته ، أو لأنه يدخر قوته لوقت الشدة .. وكنت أظن أن تصفيات كأس العالم شدة . وأن كل مباراة شدة وأن الحياة شدة .. !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف