عائشة عبد الغفار
فرنسا ومصر ... واقع ومستقبل واحد
فاقت زيارة الرئيس اولاند لمصر كل التوقعات وكللت بالنجاح وتميزت محادثات الرئيس السيسى والرئيس اولاند بالشفافية والصراحة المطلقة فى ضوء استقلالية فرنسا وإزاء عدم انسياقها وراء نوايا تعكير العلاقات من قبل بضعة اتجاهات غربية كان تراهن على التيار المتطرف فى مصر وقدرته على تفتيت المنطقة والمتاجرة بها. ولقد استجابت فرنسا لنداء الرئيس السيسى بألا يحكم الغرب على مصر من خلال منظوره وأن تعمل مصر وفرنسا معا من أجل هدف إنسانى وأن يتصدى الغرب لظاهرة الارهاب.. ولقد جاء إعلان الرئيس الفرنسى خلال عقد منتدى الأعمال المصرى الفرنسى واضحا وقاطعا عندما أكد أن فرنسا أختارت أن ترافق مصر بالكامل فى ضوء الاصلاحات الاقتصادية التى أقدمت عليها . ولقد كشف نجاح فعاليات المنتدى الاقتصادى الذى عقد بفندق »الماسة« الأداء المشرف لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية بمصر برئاسة محمود القيسى الذى استطاع أن يجمع المجتمع الفرانكفونى المصرى بأكمله والذى يحرص حرصا شديداً على وضع العلاقات بين مصر وفرنسا فى نصابها الصحيح على المستوى السياسى والاقتصادى والثقافى كما برهن هذا اللقاء دور الغرفة فى تعاظم الاستثمارات فى مصر حيث هناك 150 شركة فرنسية بمصر توظف 35 ألف مصرى.. اولاند خلال المنتدى الاقتصادى أثبت نوايا فرنسا إزاء مصر وأملها فى أن تتغلب مصر على التحدى الأمنى والديموجرافى.. مع التركيز أيضا على البعد الثقافى والسياحى.. ولذلك سوف تشارك فرنسا فى دعم البنية التحتية وموارد الطاقة والطاقة المتجددة فى المدن الجديدة وتطوير الطاقة النووية المدنية وتدريب العمالة المصرية مهنيا ووضع التكنولوجيا الفرنسية تحت تصرف مصر.
وعلى المستوى السياسى أعربت فرنسا عن اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط وأمنها وأهمية حل الأزمة الليبية وأكد اولاند أن الاستثمارات الفرنسية هى دعم أساسى للتقارب الاوروبى ـ الشرق ـ أوسطى..
ولقد أسفرت تلك العلاقات الأزلية بين »أم الدنيا« مصر.. وفرنسا »أم الفنون والآداب والسلاح« عن إجراءات هامة اتخذت على المستوى الثنائى والاقليمى والدولى من أجل مناهضة الارهاب.
كما هناك التقاء فى وجهات النظر بين مصر وفرنسا إزاء الملفين السورى والليبى وأهمية وضع حد للصراع الاسرائيلى ـ الغربى. كما كانت قضايا افريقيا والقضايا البيئية محل اهتمام البلدين فى ضوء متابعة الرئيسين نتائج مؤتمر »كوب 21« الذى شارك فيه الرئيس السيسى.. كما تم التركيز على تطورات الملف السورى وأسفرت زيارة اولاند عن نتائج فى غاية الأهمية بالنسبة للتعاون الاقتصادى والعسكرى والأمنى ووصف المراقبون العلاقات الثنائية بأنها ممتازة لأنها مبنية على علاقات تقليدية تتسم بالحميمية وإنما الرئيس السيسى قد أعطى دفعة قوية للبعد الثنائى منذ زيارته لباريس فى نوفمبر 2014.. ولا ننسى زيارة رئيس الوزراء الأسبق محلب فى مايو 2015 وزيارة رئيس الوزراء الفرنسى فالس فى مايو 2015 وسوف تشارك فرنسا فى مشروعات عملاقة فى إطار برنامج منطقة تنمية قناة السويس وفى الاستثمارات الصناعية الخاصة بالمدن الجديدة و»العاصمة الجديدة« ومشروع بناء بالبحر الأحمر ليس بعيداً عن السخنة.. ولاشك ان الغرفة التجارية والصناعية الفرنسية بمصر تسهم إسهاما ضخما فى تذليل كافة العقبات أمام الشركات الفرنسية من أجل دعم تعاونها مع مصر فى كافة مجالات التنمية، وفرنسا مؤمنة بعلاقة الاستقرار بالأمن فهناك تعاون أمنى مكثف بين البلدين.
ولقد أكد سفير فرنسا اندريه باران ان اجتماع رئيس الجمهورية اولاند فى صحبة الرئيس السيسى برجال الأعمال المصريين والفرنسيين بالغرفة التجارية بمصر سوف يعطى دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية.. ذلك لان مصر تمثل بالنسبة للجانب الفرنسى سوقا دينكاميكيا يتمتع بفرص كبيرة..إن زيارة اولاند هى الزيارة الثانية لمصر فى أقل من عام منذ اشتراكه المؤثر كضيف شرف فى افتتاح قناة السويس الجديدة فى أغسطس الماضى وان زيارة اولاند لمصر أثبتت الاصرار المشترك على تدعيم الشراكة الاستراتيجية فى مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة وفى المجال القضائى والعسكرى ولاشك إنه فى عالم يفتقد حاليا الزعامة فإن الشراكة العسكرية سوف تسهم فى استقرار وأمن الشرق الأوسط وسوف تسهم فى التقليل من عذاب الشعوب المعرضة للأزمات.
لقد حققت زيارة اولاند لمصر طفرة فى وجود المستثمرين الفرنسيين بمصر وبمضاعفة المبادلات التجرية ـ أما التعاون الثقافى فهو يفوق جميع مجالات التعاون وجسدته زيارة الرئيس اولاند فى صحبة الرئيس السيسى لمقتنيات قصر عابدين التاريخى واهتمامه بكل قطعة فنية به.. وأعاد الى أذهاننا اهتمام الرئيس السادات بتراثنا وبالقصور المصرية العتيقة،»والولع الفرنسى بالتاريخ المصرى« منذ عصر نابليون بونابرت. ولا ننسى كيف أن معرض »اوزوريس وكنوز مصر الغارقة« استطاع أن يفرض نفسه كحادث ثقافى بباريس بنحو ثلاثمائة ألف زائر يبرهنون على المكانة التى يحتلها التراث المصرى فى قلوب الفرنسيين برغم الحادث الارهابى الذى تعرضت له فرنسا فى نوفمبر 2015.. لقد أثبتت هذه الزيارة مدى انسجام البلدين على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وكيف أن مصر بالنسبة لفرنسا »عشق فرنسى« وإن رؤيتهما للمستقبل رؤية مشتركة.